قال القشيري: إنما يمس المتقين طيفُ الشيطان في ساعات غفلتهم عن ذكر الله، ولو أنهم استداموا ذكر الله بقلوبهم لما مسَّهم طائف الشيطان، فإن الشيطانَ لا يَقَربُ قلبًا في حال شهوده الله لأنه يخنس عند ذلك، ولكل عازمٍ فترة، ولكلِّ عالم هفوة، ولكل عابد شدة، ولكل قاصد فترة، ولكل سائر وقفة، ولكل عارف حجبة. قال- عليه الصلاة والسلام-: «الحِدَّةُ تعتري خيار أمتي» «1» . فأخبر بأن خيار الأمة، وإن جلت رتبتهم، لا يتخلصون عن حدة تعتريهم في بعض أحوالهم، فتخرجهم عن دوام الحلم. هـ. وكأنه يُشير إلى أن طائف الشيطان يمس الواصلين والسائرين، وهو كذلك بدليل أول الآية في قوله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ... الآية، ومسه للسائر أو الواصل زيادة به، وترقية له، وتحويش له إلى ربه، والله تعالى أعلم.
ثم ردّ الله على من طلب الآيات، فقال:
وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ أي: الكفار، بِآيَةٍ بمعجزة مما اقترحوا، أو من القرآن حين يتأخر الوحي، قالُوا لَوْلا هلا اجْتَبَيْتَها أي: تخيرتها وطلبتها من ربك، أو هلا اخترعتها وتقولتها من نفسك كسائر ما تقرأ؟ قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي فلا أطلب منه آية، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «2» ، أو: لا أخترع القرآن من عند نفسي، بل أَتبع ما يُوحى إليَّ من ربي.
هذا القرآن بَصائِرُ للقلوب مِنْ رَبِّكُمْ، أي: من عند ربكم، بها تُبصر الحق وتُدرك الصواب، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وإرشاد أو طمأنينة لقلوب المؤمنين.
الإشارة: قد تقدّم مراراً ما في طلب الآيات من ضعف اليقين، وعدم الصدق بطريق المقربين، وإنما على الأولياء أن يقولوا: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بطريق المخصوصين. وبالله التوفيق.
ثم أمر بالإنصات للقرآن، الذي هو أعظم الآيات، فقال:
[سورة الأعراف (7) : آية 204]
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ، مطلقًا، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لكي تعتبروا وتتدبروا، فإنما نزل لذلك، وهل على الوجوب أو الاستحباب- وهو الراجح؟ قولان، وقيل: الاستماع المأمور به