ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ولا ينكر أن يريد بالتحريم- الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص، وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، فتقدير الكلام على هذا: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه، على وجه التفسير والبيان، فقال: ألاَّ تشركوا، ووصاكم بالإحسان بالوالدين، وهكذا.. فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين، وما بعد ذلك. انظر بقية كلامه.

وإنما قال الحق سبحانه: (من إملاق) ، وقدّم الكاف في قوله (نرزقكم) ، وفي الإسراء قال: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ (?) ، وأخر الكاف لأن ما هنا نزل في فقراء العرب، فكان الإملاق نازلاً بهم وحاصلاً لديهم، فلذلك قال: مِنْ إِمْلاقٍ، وقدم الخطاب لأنه أهم. وفي الإسراء نزلت في أغنيائهم، فكانوا يقتلون خوفًا من لحوق الفقر، لذلك قال: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ، وقدم الغيبة فقال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ حين نخلقهم وإياكم.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم: تَعالَوْا أي: هلموا، أَتْلُ أي: أقرأ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ، واجتمعت عليه الشرائع قبلكم، ولم يُنسخ قط في ملة من الملل، بل وصى به جميع الملل، هو أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً بل توحدوه وتعبدوه وحده، وَأن تحسنوا بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، ولا تُسيئوا إليهما لأن من أساء إليهما لم يحسن إليهما. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ أي: من أجل الفقر الحاصل بكم، وكانت العرب تقتل أولادها خوفًا من الفقر فنزلت فيهم، فلا يفهم منه إباحة قتلهم لغيره، نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، فلا تهتموا بأمرهم حتى تقتلوهم.

وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ كبار الذنوب ما ظَهَرَ مِنْها للناس وَما بَطَنَ في خلوة، أو: ما ظهر منها على الجوارح، وما بطن في القلوب من العيوب، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ كالقود، وقتل المرتد، ورجم المحصن. قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرئ مُسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ: زِنَىً بعد إحصَانٍ، وكُفرٍ بعد إيمَانٍ، وقَتل نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ» (?) . ذلِكُمْ المتقدم، وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، فتتدبرون فيما ينفعكم وما يضركم وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي

بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ

كحفظه وتثميره. والنهي عن القرب: يعم وجوه التصرف، وفيه سد الذريعة لأنه إذا نهى عن القرب كان الأكل أولى، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

وهو البلوغ مع الرشد، بحيث يعرف مصالح نفسه ويأمن عليه التبذير، فيدفع له، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ

بالعدل والتوفية، لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها

إلا ما يسعها ولا يعسر عليها، ولمَّا أمر بالقسط في الكيل والوزن، وقد علم أن القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما يجري فيه الحرج- أمر بالوسع في ذلك وعفا عما سواه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015