لإبراهيم بن أدهم رضى الله عنه: الفقراء إذا أُعْطُوا شَكَرُوا وإذا مُنعوا صبروا، فقال إبراهيم: هذه أخلاقُ الكلاب، ولكن القومَ إذا مُنِعوا شكروا وإذا أُعْطُوا آثروا. هـ.
ثم احترس من الطريق غير المستقيمة، فقال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ أي: غير طريق الذين غضبت عليهم، فلا تهدنا إليها ولا تسلك بنا سبيلها، بل سلَّمنَا من مواردها. والمراد بهم: اليهود، كذا فسرها النبي صلى الله عليه وسلّم، ويَصْدُقُ بحسب العموم على كل من غضب الله عليهم، وَلَا الضَّالِّينَ أي: ولا طريق الضالين، أي: التالفين عن الحق، وهم النصارى كما قال صلى الله عليه وسلّم. والتفسيران مأخوذان من كتاب الله تعالى. قال تعالى في شأن اليهود:
فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ، وقال في حق النصارى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ.
واعلم أن الحق- سبحانه- قسم خلقه على ثلاثة أقسام: قسم أعدَّهم للكرم والإحسان، ليظهر فيهم اسمه الكريم أو الرحيم، وهم المنعم عليهم بالإيمان والاستقامة. وقسم أعدَّهم للانتقام والغضب، ليُظهر فيهم اسمه المنتقم أو القهار، وهم المغضوب عليهم والضالون عن طريق الحق عقلاً أو عملاً، وهم الكفار، وقسم أعدَّهم الله للحِلْم والعفو، ليُظهر فيهم اسمه تعالى الحليم والعفو، وهم أهل العصيان من المؤمنين.
فمن رَامَ أن يكونَ الوجودُ خالياً من هذه الأقسام الثلاثة، وأن يكون الناس كلهم سواء في الهداية أو ضدها، فهو جاهل بالله وبأسمائه إذ لا بد من ظهور آثار أسمائه في هذا الآدمي، من كرم وقهرية وحِلْم وغير ذلك. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الطريق المستقيم التي أمرنا الحق بطلبها هي: طريق الوصول إلى الحضرة، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان، وهو مقام التوحيد الخاص، الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد، وليس فوقه إلا مقامُ توحيد الأنبياء والرسل، ولا بد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريق السير، قد سلك المقامات ذوقاً وكشفاً، وحاز مقام الفناء والبقاء، وجمع بين الجذب والسلوك لأن الطريق عويص، قليلٌ خُطَّارُهُ، كثيرٌ قُطَّاعُه، وشيطان هذه الطريق فَقِيهٌ بمقاماته ونوازِله، فلا بد فيه من دليل، وإلا ضلّ سالكها عن سواء السبيل، وإلى هذا المعنى أشار ابن البنا، حيث قال:
وَإِنَّمَا القَوْمُ مُسَافِرُونَ ... لِحَضْرَةِ الْحَقِّ وَظَاعِنُونَ
فَافْتَقَرُوا فِيهِ إلَى دَلِيل ... ذِي بَصَرٍ بالسَّيْرِ وَالْمَقِيلِ
قَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ ثُمَّ عَادَ ... لِيُخْبِرَ الْقَوْمَ بِمَا اسْتَفَادَ