[المجلد الثاني]
مدنية. وهى مائة وعشرون آية، وألفان وثمان مائة وأربع كلمات، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلّم فى حجة الوداع، وقال:
«يا أيها الناسُ، إِن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها» «1» . وقال ابن عمر: (أنزلت سورة المائدة والنبي صلّى الله عليه وسلّم على راحلته، فلم تستطع أن تحمله حتى نزل) . وهى مكملة لما تضمنته سورة النساء من عقود الأحكام الستة، ولذلك افتتحها بالتوصية على الوفاء بها، فقال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (?)
أي: بالعهود التي عَهِدْتُ إليكم أن تحفظوها، وهي حفظ الأموال، وحفظ الأنساب، وحفظ الأديان، وحفظ الأبدان، وحفظ اللسان، وحفظ الأيمان، ثم مرَّ معها على الترتيب، فما ذكره هناك مُستوفَى، لم يُعِدْ منه هنا إلا أصله، وما بقي هناك في أصل من الأصول الستّة كمّلهُ هنا، ولمّا ذكر فيما تقدم في أول السورة حُكْم الأموال باعتبار المِلك، ولم يتكلم على ما يحلّ منها وما يحرم، تكلم هنا على ذلك، فقال: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ...
قلت: إضافة (بهيمة الأنعام) : للبيان، كثوب خزّ، إي: البهيمة من الإنعام، و (غير مُحِلِّي الصيد) : حال، قال الأخفش: من فاعل «أوفوا» ، وفيه معنى النّهي، وقال الكسائي: من ضمير (لكم) كما تقول: أُحِلّ لكم الطعام غير مُفسِدين فيه، فإن قُلتَ: الحال قيد لعامِلها، والحِلِّيَّة غير خاصّة بوقت حُرمَة الصيد؟ قلت: لمّا كانت الحاجة إليها في ذلك الوقت أكثر، خصّ الحِلِّيَّة به ليكون أدعى للشكر، ويؤخَذ عموم الحِلِّيَّة من سورة الحج «2» .
يقول الحق جلّ جلاله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أي: الأنعام كلها، وهي الإبل والبقر والغنم، إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ بعدُ في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... الآية «3» ، حال كونكم غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ