فقطع عذر العباد ببعث الرسل، وقامت الحجة عليهم، وفى الحديث عنه- عليه الصلاة والسلام-: «مَا أحدٌ أغيرَ مِنَ الله، ولذلكَ حرَّم الفواحِشَ ما ظهر منها وما بَطَنَ، وما أحدٌ أحبَّ إليهِ المدحُ من الله، ولذلكَ مدَحَ نفسَهُ، وما أحَدٌ أحبَّ إليهِ العذرُ مِنَ الله تعالى، ولذلِكَ أرسَلَ الرَّسلِ وأنزَلَ الكُتبَ» .

وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغلب، فلا يجب عليه شيء، حَكِيماً فيما دبر من النبوة، وخص كل نبي بنوع من الوحي والإعجاز على ما يليق به في زمانه. والله تعالى أعلم.

الإشارة: علماءُ هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل، العارفون منهم كالرسل منهم، قال ابن الفارض رضي الله عنه:

فَعَالِمُنَا منهم نبي، ومَن دَعَا ... إلى الحقِّ منّا قَامَ بالرسُلِيّه (?)

وعارِفنا في وقتِنا الأحمَديُّ من ... أولي العزمِ منهم آخِذٌ بالعَزِيمَه

فإنهم يشاركونهم في وحي الإلهام، ويحصل لهم المكالمة مع المشاهدة، فيسمعون من الحق كما ينطقون به. كما قال الششتري:

أنَا بالله أنطق ... ومن الله أسمَع

فتارة يسمعون كلامه بالوسائط، وتارة من غير الوسائط، يعرف هذا أهل الفن من أهل الذوق، وشأن مَن لم يَبلُغ مقامهم: التسليم.

إن لم ترَ الهلالَ فسَلِّم ... لأناس رَأوه بالأبصَارِ

وفي الورتجبي: وإن الله تعالى إذا أراد أن يُسمع كلامه أحدًا من الأنبياء والأولياء يعطيه سمعًا من أسماعه، فيسمع به كلامه، كما حكى- عليه الصلاة والسلام- عنه- تعالى-، قال: (فإذا أحببتُه كنت سمعه....) ، الحديث.

أسمعه كلامه، وليس هناك الحروف والأصوات، بل أسمعه بحرف القدرة وصوت الأزلية، الذي هو منزه عن همهمة الأنفاس وخطرات الوسواس، وليس في ولاية الأزل من رسوم أهل الآجال شيء، حتى هناك السامع والمسمع واحد من حيث المحبة، لا من حيث الجمع والتفرقة. انتهى كلامه.

واعلم أن أهل الجمع لا يشهدون إلا متكلمًا واحدًا، قد انتفى من نظرهم التعدد والاثنينية، غير أنهم يفرقون بين كلام القدرة وكلام الحكمة، كلام القدرة يبرز من غير اختيار، بل يكون المتكلم به مأخوذًا عنه، غائبًا عن اختياره،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015