يقول الحق جلّ جلاله: {والعَصْرِ} أقسم تعالى بصلاة العصر لفضلها الباهر، إذ قيل: هِي الصلاة الوسطى، أو: بالعشيِّ الذي هو مابين الزوال والغروب، كما أقسم بالضُحى، أو بعصر النبوة، لظهور فضله على سائر الأعصار، أو بالدهر مطلقاً؛ لانطوائه على تعاجيب الأمور النافعة والضارة، وجوابه: {إِنَّ الإِنسانَ لفي خُسْرٍ} ؛ لفي خسران في متاجرهم ومساعيهم، وصرف أعمارهم في حظوظهم وأمانيهم. {إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا، فربحوا وسعدوا، أو: فإنهم في تجارةٍ لن تبور، حيث باعوا الفاني الخسيس، وآثروا الباقي النفيس، واستبدلوا الباقيات الصالحات بالعاديات الرائحات، فيا لها من صفقة ما أربحها!.
وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم، وقوله تعالى: {وتواصَوْا بالحق} بيان لتكميلهم لغيرهم، أي: وصَّى بعضُهم بعضاً بالأمر الثابت، الذي لا سبيل إلى إنكاره، ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره، وهو الخير كله، من الإيمان بالله عزّ وجل، واتباع كتبه ورسله في كل عقد وعمل، {وتواصَوْا بالصبرِ} عن المعاصي التي تُساق إليها النفس الأمّارة، وعلى الطاعة التي يشق عليها أداؤها، وعلى البلية التي تتوجه إليه من جهة قهريته تعالى، وعلى النعمة بالقيام بتمام شكرها، وتخصيص هذا التواصي بالذكر، مع اندراجه تحت التواصي بالحق؛ لإبراز كمال الاعتناء به، أو: لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة، التي هي فعل ما يُرضي الله عزّ وجل، والثاني عن العبودية التي هي الرضا بما فعل اللهُ تعالى، فإنَّ المراد ليس مجرد حبس النفس عمّا تتوق إليه من فعلٍ وترك، بل هو تلقي ما يَرِد منه تعالى بالجميل والرضا ظاهراً وباطناً. قاله أبو السعود.