الفراش ما تراه كصغار البق يتهافت في النار. هـ. والمشهور أنه الطير الذ يتساقط في النار، ولا يزال يقتحم على المصباح، قال الكواشي: شبّه الناسَ عند البعث بالفراش لموج بعضهم في بعض، وضعفهم وكثرتهم، وركوب بعضهم بعضاً؛ لشدة ذلك اليوم، كقوله: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتِشِرٌ} [القمر: 7] وسمي فراشاً لتفرُّشه وانتشاره وخفته. هـ. واختار بعضهم أن يكون هذا التشبيه للكفار؛ لأنهم هم الذين يتهافتون في النار تهافت الفراش المنتشر.
{
وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ المنفوشِ} كالصوف الملون بالألوان المختلفة في تفرُّق أجزائها وتطايرها في الجو، حسبما نطق به قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ... } [النمل: 88] الآية، وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، يُبدِّل الله الأرضَ غير الأرض، بتغيير هيئاتها وتسير الجبال سيراً عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكت وتصدّعت عند النفخة الأولى، لكن تسيير وتسويتها يكونان بعد النفخة الثانية، كما ينطق به قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً (105) } [طه: 105] الآية، ثم قال: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} [طه: 108] وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [إبراهيم: 48] ، الآية، فإنَّ اتباع الداعي، وهو إسرافيل، وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلاَّ بعد النفخة الثانية. قاله أبو السعود. قلت: دكّ الأرض كلها مع بقاء جبالها غريبَ مع أنَّ قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ ... } [الحاقة: 14] الخ صريح في دك الجبال وتسويتها مع دك الأرض قبل البعث، ويمكن الجمع بأن بعضها تدك مع دك الأرض، وهو ما كان في طريق ممر الناس للمحشر، وبعضها تبقى ليشاهدها أهلُ المحشر، وهو ما كان جانباً، والله تعالى أعلم بما سيفعل، وسَتَرِد وترى.
ولمّا ذكر ما يَعُمّ الناس ذَكَر ما يخص كل واحد، فقال: {فأمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} باتباعه الحق، وهو جمع " موزون "، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله، أو جمع ميزان، قال ابن عباس رضي الله عنه: هو ميزان له لسان وكفّتان، تُوزن فيه الأعمال، قالوا: تُوضع فيه صحائف الأعمال، فينظر إليه الخلائق، إظهاراً للمعدلة، وقطعاً للمعذرة. قال أنس: " إنَّ ملكاً يوُكّل يوم القيامة بميزان ابن آدم، يُجاء به حتى يوقف بين كفي الميزان، فيُوزن عمله، فإن ثقلت حسناته نادى بصوت يُسْمِع جميعَ الخلائق باسم الرجل: إلاَ سَعِدَ فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفّت موازينه نادى: شَقِيَ فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً " وقيل: الوزن عبارة عن القضاء السَّوي، والحكم العَدْل، وبه قال مجاهد والأعمش والضحاك، واختاره كثير من المتأخرين، قالوا: الميزان لا يتوصل به إلى معرفة مقادير الأجسام، فكيف يُمكن أن يعرف مقادير الأعمال. هـ. والمشهور أنه محسوس.
وقد رُوي عن ابن عباس أنه يُؤتى بالأعمال الصالحة على صورة حسنة، وبالأعمال