{وإِلى الإرض كيف سُطحت} سطحاً بتوطئة وتمهيد وتسوية حسبما يقتضيه صلاح أمور ما عليها من الخلائق.
قال الجلال: وفي الآية دليل على أنَّ الأرض سطح لا كرة، كما قال أهل الهيئة، وإن لم ينقض ركناً من أركان الشرع. هـ. وفي ابن عرفة، في قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ... } [الزمر: 5] أنَّ الآية تدل على أنَّ السماء كروية، قال: لأنَّ من لوازم تكويرهما تكوير محلهما لاستحالة تعلقهما دون مكان. هـ. وفي الأبي: الذي عليه الأكثر من الحكماء وغيرهم أنَّ السموات والأرض كرتان. هـ.
الإشارة: وجوه يومئذ ناعمة بلذة الشهود والعيان، لأجل سعيها بالمجاهدة، راضية، حيث وصَّلتها إلى صريح المشاهدة، في جنة عالية، جنان المعارف، لا تسمع فيها لاغية؛ لأنَّ أهلها مقدّسون من اللغو والرفث، كلامهم ذكر، وصمتهم فكر، فيها عين جارية من قلوبهم بالعلوم والحِكم، فيها سُرر المقامات مرفوعة، يرتفعون منها إلى المعرفة، وأكواب موضوعة؛ كِيسَان شراب الخمرة، وهي محافل الذكر والمذاكرة، ونمارق مصفوفة، وسائد الرّوح والريحان حيث سقطت عنهم الكلف، ورموا حِملهم على الحي القيوم، وزرابي مبثوثة؛ بُسط الأنس في محل القدس، أفلا يستعملون الكفرة والنظرة، حتى تقيم أرواحهم في الحضرة، فإنَّ الفكرة سِراج القلب، فإذا ذهبت فلا إضاءة له، وهي سير القلب إلى حضرة الرب، فينظرون إلى الإبل كيف خُلقت، فإنه تجلي غريب، وإلى السماء كيف رُفعت به، وإلى الأرض كيف سُطحت من هيبته، وقال: القشيري: الإبل: النفوس الأمّارة، لقوله عليه السلام: " النّاسُ كإبلٍ مِائةٍ لا تكادُ تَجِدُ فيها رَاحِلةَ " هـ وإلى الأرواح كيف رُفعت؛ لأنها محل أفكار العارفين، وإلى جبال العقل كيف نُصبت لتمييز الحس من المعنى، والشريعة من الحقيقة، وإلى الأرض البشرية كيف سُطحت، حيث استولت عليها الروحانية، وتصرفت فيها.
يقول الحق جلّ جلاله: {فَذَكِّر} الناس بالأدلة العقلية والنقلية، {إنما أنت مُذكِّّر} ليس عليك إلاَّ التبليغ {لستَ عليهم بمصيطرٍ} ؛ بمسلط، كقوله: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} [قَ: 45] ، وفيه لغات: السين، وهي الأصل، والصاد، والإشمام. {إِلاَّ مَن تولَّى وكَفَرَ فيعذبه اللهُ العذابَ الأكبر} ، الاستثناء منقطع، أي: لست بمُسلط عليهم، تقهرهم على