يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي: بحُججه الدالة على توحيده، وصحة نبوة رسله، أو بكلامه، وهم اليهود، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ بل بغياً وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالعدل وترك الظلم من الأحبار، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ موجع، أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي: بطلت، فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فلا ينتفعون بها في الدارين، وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يمنعونهم من العذاب.
وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ النَّاسِ أشَدُّ عَذَاباً يَوْمَ القيامة؟ قال: «رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيّاً، أو رَجل أمَرَ بالمُنكَر ونَهَى عن المَعْرُوفِ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ الآية، ثم قال: يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسْرَائِيلَ ثلاثةً وأرْبَعِين نبيّاً أوَّل النَّهَار في سَاعَةٍ، فقام مائة وعشرون من عُبَّادِ بَني إسْرَائِيل فأَمرُوهم بالمَعرُوف ونَهوهُمْ عن المنكر، فقتلوهم جميعاً مِنْ آخِرِ النَّهارِ من ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم في كتابه، وأنزل الآية فيهم» . هـ. من الثعلبي.
الإشارة: ذكر في الآية الأولى تشجيع المريدين، وأمرهم بالصبر والتسليم لإذاية المؤذين، وذكر هنا وبال المؤذين الجاحدين لخصوصية المقربين، فالأولياء والعلماء ورثة الأنبياء، فمن آذاهم فله عذاب أليم، في الدنيا بغم الحجاب وسوء المنقلب، وفي الآخرة بالبعد عن ساحة المقربين، وبالسقوط إلى دَرْكَ الأسفلين، والله تعالى أعلم.
ومن مساوئ اليهود أيضا إعراضهم عن الحق إذا توجه إليهم، كما أشار إلى ذلك الحق تعالى، فقال:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25)
قلت: التنكير في (نصيب) يحتمل التحقير والتعظيم، والأول أقرب. وجملة: (وهم معرضون) حال من (فريق) لتخصيصه بالصفة.
يقول الحق جلّ جلاله: أَلَمْ تَرَ يا محمد، أو مَنْ تصح منه الرؤية، إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ وهم: اليهود، تمسكوا بشيء من التوراة، ولم يعملوا به كلّه، كيف يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ القرآن لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فيما اختلفوا فيه من أمر التوحيد وصحة نبوته- عليه الصلاة والسلام، فأعرضوا عنه، أو المراد بكتاب الله: التوراة. قال ابن عباس رضي الله عنه: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من اليهود، فَدَعاهُمْ إلى الله تعالى، فقال نُعَيْمُ بْنُ عَمِرْو والحَارِثُ بَنْ زَيْد: على أيِّ دين أنْتَ يا مُحَمَّدُ؟ قال: «على مِلَّةِ إبْرَاهِيم» قالا: إنَّ إبرَاهِيم كان