العالمين} أي: لحكمِه وقضائه، أو لجزائه بعقابه وثوابه، وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه السورة، فلمّا بلغ هنا بكى نحيباً، وامتنع من قراءة ما بعده.

{كلاَّ} ردع وتنبيه، أي: ارتدعوا عما كنتم عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب، وتنبّهوا أنه مما يجب أن يُنتهى به ويُتاب منه، ثم علل الردع المذكور، فقال: {إِنَّ كتابَ الفُجَّار} أي: صحائف أعمالهم {لفي سِجّينٍ} ، جمهور المفسرين أنَّ " سِجين " موضع تحت الأرض السابعة، كما أنَّ " علِّيين " موضع فوق السماء السابعة، وفي القاموس: عليون جمع " عِلِّيّ " في السماء السابعة، تصعد إليه أرواح المؤمنين، و " سجّين " موضع في كتاب الفجار، ووادٍ في جهنم، أو حجر في الأرض السابعة. هـ. وفي حديث أنس صلى الله عليه وسلم قال: " سجين أسفل سبع أرضين " وقال أبو هريرة: قال صلى الله عليه وسلم: " الفلق: جُب في جهنم مغطى، وسِجين: جُب في جهنم مفتوح " والمعنى: إنّ تاب أعمال الفجار مثبت في سجين. هو علم منقول من الوصف " فعيل " من السجن؛ لأنَّ أرواح الكفرة تسجن فيه، وهو منصرف لوجود سبب واحدٍ فيه، وهو العلميّة، لأنه علم لموضع.

ثم عَظَّم أمره فقال: {وما أدراك ما} هو {سِجّينٌ} أي: هو بحيث لا يبلغه دراية أحد، وقوله تعالى: {كتاب مرقوم} ، قال الطيبي: هو على حذف مضاف، أي: موضع كتاب مرقوم. هـ. أو: فيه كتاب مرقوم، وهو بدل من " سِجّين " أو: خبر عن مضمر، بحذف ذلك المضاف، وأمّا مَن جعله تفسيراً لسجّين، بأن جعل سجيناً هو نفس الكتاب المرقوم؛ فلا يصح؛ إذ يصير المعنى حينئذ: إنَّ كتاب الفجار لفي كتاب، ولا معنى له. {ويل يومئذٍ للمكَذّبين} هو متصل بقوله: {يوم يقوم الناسُ لرب العالمين} وقيل: ويل يوم يخرج ذلك المكتوب للمكذّبين {الذين يُكَذِّبون بيوم الدين} ؛ الجزاء والحساب، {وما يُكَذِّب به} ؛ بذلك اليوم {إِلاَّ كُل معتدٍ} ؛ مجاوِز للحدود التي حدّتها الشريعة، أو مجاوِز عن حدود النظر والاعتبار حتى استقصر قدرة الله على إعادته، {أثيمٍ} ؛ مكتسب للإثم منهمك في الشهوات الفانية حتى شغلته عما وراءها من اللذة الباقية، وحملته على إنكارها، {إِذا تُتلى عليه آياتُنا} التنزيلية الناطقة بذلك {قال} : هي {أساطيرُ الأولين} أي: أحاديث المتقدمين وحكايات الأولين، والقائل: قيل: الوليد بن المغيرة، وقيل: النظر بن الحارث، وقيل: عام لمَن اتصف بالأوصاف المذكورة.

{كلاَّ} ردع للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل وتكذيب له، {بَلْ رانَ عَلَى قُلُوبِهِم ما كانوا يكسِبون} ، هو بيان لما أدّى بهم إلى التفوُّه بهذه العظيمة، أي: ليس في آياتنا ما يصحح أن يُقال فيها هذه المقالات الباطلة، بل رانت قلوبهم وغشّاها ما كانوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015