الخواطر الردية حُشرتْ وغرقتْ في بحر الأحدية، وإذا البحارُ بحار الأحدية سُجرتْ، أي: فُجرت وانطبقت على الوجود، فصارت بحراً واحداً متصلاً أوله بآخره، وظاهره بباطنه، وإذا النفوس، أي: الأرواح، زُوجتْ بعرائس المعرفة في البقاء بعد الفناء، على سُرر التقريب والاجتباء. وقال سهل: تآلفت نفس الطبع مع نفس الروح، ففرحت في نعيم الجنة، كما كانتا متآلفتين في الدنيا على إدامة الذكر. هـ.
وإذا الموؤودة سُئِلَتْ بأيّ ذنبٍ قُتلتْ، أي: فكرة القلوب التي عطلت وأُميتت بحب الدنيا والفناء فيها، حتى انصرفت إلى التفكُّر في خوضها، وتدبير شؤونها، فتُسأل بأي ذنب قُتلت، حتى تعطّلت فكرتها في أسرار التوحيد؟ وقال القشيري: هي الأعمال المشوبة بالرياء، المخلوطة بالسمعة والهوى. هـ. وإذا الصُحف؛ الواردات الإلهية نُشرتْ على القلوب القدسية، فظهرت أنوارُها على الألسنة بالعلوم اللدنية، وعلى الجوارح بالأخلاق السنية، وإذا السماءُ كُشطتْ، إي سماء الحس تكشطت عن أسرار المعاني، وإذا الجحيم، نار القطيعة، سُعّرتْ لأهل الفرق، وإذا الجنة جنة المعارف، أُزلفت لأهل الجمع والوصال، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ من المجاهدة عند كشف أنوار المشاهدة. وبالله التوفيق.
يقول الحق جلّ جلاله: {فلا أُقسم} ، " لا " صلة، أي: أُقسم {بالخُنَّس} أي: بالكواكب الرواجع، مِن: خَنَس إذا تأخر، وهي ما عدا النيرين من الدراريّ الخمسة، وهي: بهرام [المريخ] ، وزحل، وعطارد، والزُّهرة، والمشتري، فترى النجم في آخر البرج إذا كرَّ راجعاً إلى أوله، {الجَوَارِ} أي: السيّارة {الكُنَّس} أي: المستترة، جمع كانس وكانسة، وذلك أنَّ هذه النجوم تجري مع الشمس والقمر، وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس، فخنوسها: رجوعها، وكنوسها: اختفاؤها تحت ضوئها، من كُنس الوحش: إذا دخل كناسه، أي: بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر، وقيل: هي جميع الكواكب، تختنس بالنهار، فتغيب عن العيون، وتكنس بالليل، أي: تطلع في أماكنها.
{والليلِ إِذا عسعس} ؛ أقبل بظلامه، أو: أدبر، فهو من الأضداد، وقال الفراء: أجمع المفسرون على أن معنى عسعس: أدبر، تقول العرب: عسعس الليل وسَعْسع: إذا