والأحسن: أنه مفعول بفعل محذوف، أي: أعني. {وبُرّزَت الجحيمُ} أي: أظهرت إظهاراً بيناً لا يخفى على أحد {لمن يرى} كائناً مَن كان، فلا تتوقف رؤيتها إلاّ على وجود حاسة البصر، ولا مانع من الرؤية ولا حاجب. يُروى أنه يُكشف عنها فتلتظي نيرانها كل ذي بصر.

{فأمَّا مَن طَغَى} أي: جاوز الحدّ في العصيان {وآثر الحياةَ الدنيا} الفانية، فانهمك فيما متع به فيها، ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة، {فإِنَّ الجحيم} التي ذكر شأنها {هي المأوى} أي: مأواه. فاللام سادّة مسد الإضافة للعلم بأنَّ صاحب المأوى هو الطاغي، وجملة " فأمّا ": جواب " إذا " على طريقة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّى هُدىً فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ ... } [البقرة: 38] ، وقيل: جواب " إذا " محذوف، وهي تفصيل له، أي: إذا جاءت انقسم الناس على قسمين، فأمّا مَن طغى.. الخ، والذي يستدعيه فخامة التنزُّل، ويقتضيه مقام التهويل؛ أنَّ الجواب المحذوف تقديره: يكون من عظائم الشؤون ما لم تُشاهده العيون، ثم فصَّل أحوال الناس بقوله: فأمّا.. الخ.

{

وأمّا مَن خافَ مَقامَ ربه} أي: مُقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى، يوم يتذكر الإنسانُ ما سعى. {وَنَهَى النفسَ عَنِ الْهَوَى} المُرْدِيِّ، أي: زجرها عن اتّباع الشهوات الفانية، ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها، ولم يغتر بزخارفها وزينتها، علماً منه بوَخَامة عاقبتها، وقيل: هو الرجل يهم بالمعصية فيتذكّر مقامه للحساب فيتركها. والهوى: ميل النفس إلى ما تهوى من غير تقييد بالشريعة، {فإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأوَى} له لا لغيره، وسيأتي تحقيقه في الإشارة.

الإشارة: فإذا جاءت الطامة، وهو التجلَّي الجلالي الذي لايعرفه فيه إلاّ الرجال، يومئذ يتذكر الإنسان ما سعى فيه من علم التوحيد، فمَن كان عارفاً بالله في جميع الأشياء عرفه في جميع التجليات، كيفما تلوّنت، ومَن كان قاصراً في المعرفة في البعض وأنكره في البعض، كما في حديث القيامة، حيث يتجلّى لبعض عباده في صورة لا يعرفونها، فيُنكرونه، ويقولون، هذا موضعنا حتى يأتينا ربنا، ثم يتجلّى لهم في صورة يعرفونها، فيُقرونه، وهذا لقصورهم في المعرفة، ولو عرفوا الله في جميع تجلياته ما أنكروه في شيء منها، وبُرّزت الجحيم لمَن يرى، أي: وبُرّزت حينئذ نار القطيعة لمَن يرى. قال القشيري: أي: ظهرت جحيم الحجاب لمَن يراه غيرَ الأشياء، فإنه عين الأشياء في جميع التجليات، الجمالية والجلالية، العلوية والسفلية، الصورية والمعنوية. هـ.

فأمَّا مَن طغى وتبع هواه، وآثر الحياة الدنيا، والاشتغال بها عن الإقبال على الله، فإنَّ الجحيم هي المأوى، أي: جحيم الحرمان عن مشاهدة الرحمن، وأمّا مَن خافَ مقامَ ربه، أي: قيام ربه بالأشياء، أو على الأشياء، واطلاعه عليها، أو قيامه بين يدي الله غداً للحساب، فالأول لأهل المشاهدة، والثاني لأهل المراقبة، والثالث لأهل المحاسبة، وَنَهَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015