الثاني أبلغ وأشد، وقيل: الأول عند النزع، والثاني عند القيامة، وقيل: الأول للبعث، والثاني للجزاء. وقُرىء " ستعلمون " بالخطاب على نهج الالتفات، تشديداً للردع والوعيد، لا على تقدير: قل لهم؛ للإخلال بجزالة النظم الكريم.
الإشارة: إن ظهرت أنوار الطريق، ولاحت أسرار أهل التحقيق، كثر الكلام بين الناس فيها، والتساؤل عنها، فيُقال في شأنهم، عمَّ يتساؤلون عن النبأ العظيم، الذي هو ظهور الحق وشهوده، الذي هم فيه مختلفون، فمنهم مَن يُنكره رأساً، ومنهم مَن يُقره في الجملة، ويقول: هم لقوم أخفياء لا يعرفهم أحد، كلاَّ سيعلمون يوم تحق الحقائق وتبطل الدعاوى، ويندم المفرط، حيث لا ينفع الندم وقد زلّت به القدم.
يقول الحق جلّ جلاله: {ألم نجعل الأرضَ مِهاداً} أي: بساطاً وفراشاً، فرشناها لكم حتى سكنتموها. وقُرىء " مَهْداً " تشبيهاً لها بمهد الصبي، وهو ما يمهّد له لينام عليه، تسمية للممهود بالمصدر. ولمّا أنكروا البعث قيل لهم: ألم يَخلُق مَن أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة، فلِمَ تُنكرون قدرته على البعث؟ وما هو إلا اختراع مثل هذه الاختراعات، أو: قيل لهم: لِمَ فعل هذه الأشياء، والحكيم لا يفعل شيئاً عبثاً، وإنكارُ البعث يؤدّي إلى أنه عابث في كل ما فعل؟ ومن هنا يتضح أنَّ الذي وقع عنه التساؤل هو البعث، لا القرآن أو نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قيل. والهمزة للتقرير. والالتفات إلى الخطاب على القراءة المشهورة للمبالغة في الإلزام والتبكيت.
{والجبالَ أوتاداً} للأرض، لئلا تميد بكم، فأرساها بها كما يُرسى البيت بالأوتاد، {وخلقناكم أزواجاً} ذكراً وأنثى، ليسكن كل من الصنفين إلى الآخر، وينتظم أمر المعاشرة والمعاش، ويتيسر التناسل. وقيل: خلقناكم أصنافاً وأنواعاً في ألوانكم وصوركم وألسنتكم، وهو عطف على المضارع المنفي، داخل في حكم التقرير، فإنه في قوة: إنما جعلنا الأرض.. الخ.
{وجعلنا نَومكم سُباتاً} أي: راحة لكم، أو: قطعاً للأعمال والتصرُّف، فتريحون أبدانكم به من التعب. والسبْت: القطع. أو: موتاً؛ لِما بينهما من المشاكلة التامة في انقطاع أحكام الحياة، وعليه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ} [الأنعَام: 60] وقوله: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] .