يقول الحق جلّ جلاله: {والمُرسلاتِ} أي: والملائكة المرسلات {عُرْفاً} أي: بالمعروف من الأمر والنهي، وانتصابه بإسقاط الخافض، أو: فضلاً وإنعاماً، فيكون نقيض المنكر، وانتصابه على العلة، أي: أرسلهن للإنعام والإحسان، أو: متتابعة، وانتصابه على الحال، أي: يتلو بعضها بعضاً، وفي القاموس: عُرفاً، أي: بعضٌ خلف بعض. هـ. {فالعاصفاتِ عَصْفاً} أي: تعصفن في مُضِيهنّ عصف الرياح، {والناشراتِ} أجنحتها في الجو {نَشْراً} عند انحطاطها بالوحي، أو: الناشرات للشرائع نشراً في الأقطار، أون: الناشرات للنفوس الميتة بالكفر والجهل بما أوحين من الإيمان والعلم. {فالفارقات} بين الحق والباطل {فرقاً} ، {فالملقيات} ، إلى الأنبياء {ذِكْراً عُذْراً} للمحقّين {أو نُذْراً} للمبطلين، ولعل تقديم النشر على الإلقاء؛ للإيذان بكونه غاية للإلقاء، فهو حقيق بالاعتناء به.
أو: والرياح المرسلات متتابعة، فتعصف عصفاً، وتنشر السحاب في الجو نشراً، وتفرّق السحاب فرقاً على المواضع التي أراد الله إن يُمطر عليها، فيلقين ذكراً، أي: موعظة وخوفاً عند مشاهدة آثار قدرته تعالى، إمّا عذراً للمعتذرين إلى الله تعالى برهبتهم وتوبتهم، وإمّا نُذراً للذين يكفرونها وينسبونها إلى الأنواء. أو يكون تعالى أقسم بآيات القرآن المرسلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعصفن سائر الكتب بالنسخ، ونشرن آثار الهدى في مشارق الأرض ومغاربها، وفرقن بين الحق والباطل، فألقين الحق في أكناف العالمين، عذراً للمؤمنين، ونُذراً للكافرين. قال ابن جزي: والأظهر في المرسلات والعاصفات: أنها الرياح؛ لأنَّ وصف الريح بالعصف حقيقة، والأظهر في الناشرات والفارقات: