والاختيار ولا زمهرير الضعف والانكسار؛ لأنَّ العارف باطنه قوي على الدوام، لأنَّ مَن عنده الكنز قلبه سخين به دائماً.
وقال القشيري: لا يؤذيهم شمس المشاهدة؛ لأنَّ سطوة الشهود ربما تفني صاحبها بالكلية، فيغلب عليه السُكْر، فلا يتنعّم بلذة الشهود، ولا زمهرير الحجاب والاستتار. هـ. باختصار. ودانية، أي: وجنة أخرى دانية، وهي جنة البقاء، والأُولى جنة الفناء، عليهم ظلالها، وهي روح الرضا ونسيم التسليم، وذُللت قُطوفها من الحِكَم والمواهب، تذليلاً، فمهما احتاجوا إلى علم أو حكمة أجالوا أفكارهم، فتأتيهم بطرائف العلوم وغرائب الحِكَم، ويُطاف عليهم بأواني الخمرة الأزلية، فيشربون منها في كل وقت وحين، كيف شاؤوا وحيث شاؤوا. جعلنا الله مِن حزبهم، آمين.
يقول الحق جلّ جلاله: {ويطوفُ عليه ولدان} أي: غلمان ينشئهم اللهُ لخدمة المؤمنين. أو: ولدان الكفرة يجعلهم الله تعالى خدماً لأهل الجنة. {مخلَّدون} لا يموتون، أو: دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء، {إِذا رأيتهم حَسِبْتَهُم لؤلؤاً منثوراً} لحُسْنهم، وصفاء ألوانهم، وإشراق وجوههم، وانبثاثِهم في مجالسهم ومنازلهم. وتخصيص المنثور لأنه أزين في المنظر من المنظوم.
{وإِذا رأيتَ ثَمَّ} أي: وإذا وقعت منك رؤية هناك، فـ " رأيت " هنا: لازم، ليس له مفعول لا ملفوظ ولا مُقدّر، بل معناه: أنَّ بصرك أينما وقع في الجنة {رأيتَ نعيماً} عظيماً {ومُلكاً كبيراً} أي: هنيئاً واسعاً. وفي الحديث: " أَدْنَى أهل الجنةِ منزلا مَن ينظرُ في مُلكه مَسيرة ألف عام، ويَرَى أقصاهُ كما يرى أدناه "، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أدنى أهل الجنة منزلاً الذي يركبُ في ألف ألف من خَدَمه من الولدان، على خيل من ياقوت أحمر، لها أجنحة من ذهب "، ثم قرأ عليه السلام: {وإذا رأيت ثَمَّ ... } إلخ. وقيل: مُلكاً لا يعقبه زوال، وقال الترمذي: مُلك التكوين، إذا أرادوا شيئاً كان هـ. وقيل: تستأذن عليهم الملائكة استئذان الملوك. رُوي: إنَّ الملائكة تأتيهم بالتُحف، فتستأذن عليهم، حاجباً بعد حاجب، حتى يأذن لهم الآخر، فيدخلون عليهم من كل بابٍ بالتُحف والتحية والتهنئة. هـ.