يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها المزَّمِّلُ} أي: المتزمّل، وهو الذي تزمّل في ثيابه، أي: التفّ بها، بإدغام التاء في الزاي. قال السهيلي: المزمّل: اسم مشتق من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم حين الخطاب، وكذلك المُدَّثِر. وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاطفة؛ فإنّ العرب إذا قصدت ملاطفةَ المخاطَب، وتَرْكَ عتابه، سَمَّوه باسم مشتق من حالته، كقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ حين غاضب فاطمة: " قم أبا تراب " إشعاراً له أنه غير عاتب عليه، وملاطفةَ له. والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمّل، راقد ليله، لينتبه إلى قيام الليل وذكرِ الله فيه؛ لأنّ الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه المخاطَب، وكل مَن عمل بذلك العمل، واتصف بتلك الصفة. هـ.
وكان صلى الله عليه وسلم ذات ليلة متزمِّلاً في ثيابه نائماً، فنزل جبريل يأمره بقيام الليل بقوله: {قَمْ الليلَ} أي: قُم للصلاة بالليل، فـ " الليل " نصب على الظرفية، و {إلاَّ قليلاً} : استثناء من الليل، و {نِصْفَه} : بدل من " الليل " الباقي بعد الثنيا، بدل الكل، أي: قُم نصفه، أو: مِن " قليلاً "، والتعبير عن النصف المخرج بالقليل لإظهار كمال الاعتداد بشأن الجزاء المقارن للقيام، والإيذان بفضله، وكون القيام فيه بمنزلة القيام في أكثره في كثرة الثواب.