رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً قُلْ إِنْ أَدْرِيا أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيا أَمَداً عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىا غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَىا مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىا كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} . يقول الحق جلّ جلاله: {ومَ يعص اللهَ ورسولَه} في رد رسالته، وعدم قبول ما جاء به الرسول، {فإِنَّ له نارَ جهنمَ} ، وقُرىء بفتح الهمزة، أي: فحقه، أو فجزاؤه أنّ له نارَ جهنم، {خالدين فيها} أي: في النار {أبداً} ، وحّد في قوله " له " وجمع في " خالدين " للفظ (من) ومعناه. {حتى إِذا رَأَوا ما يوعدون} ، متعلق بمحذوف، يدل عليه الحال من استضعاف الكفار لأمره صلى الله عليه وسلم، واستقلالهم لعدده، كأنه قيل: لا يزالون على ما هم عليه، {حتى إِذا رَأَوا ما يُوعدون} من فنون العذاب في الآخرة {فسيعلمون} عند حلول العذاب بهم {مَن أَضْعَفْ ناصراً وأقلُّ عدداً} أهم أم المؤمنون؟ بل الكفار لا ناصر لهم يؤمئذ، والمؤمنون ينصرهم الله ويُعزّهم. وحُمل {ما يوعدون} على ما رأوه يوم بدر، ويُبعده قوله تعالى: {قل إِن أدرِي أقريب ما تُوعَدُون} من العذاب، {أم يجعل له ربي أمداً} ؛ غاية بعيدة، يعني: أنكم معذَّبون قطعاً، ولكن لا أدري أهو حالّ أم مؤجّل؟
{
عالِمُ الغيبِ} أي: هو عالم الغيب، {فلا يُظْهِر} ؛ فلا يُطلع {على غيبه أحدا إِلاّ مَن ارتضى من رسولٍ} أي: إلاَّ رسولاً قد ارتضاه لِعلْمِ بعض الغيب؛ ليكون إخباره عن الغيب معجزةً له، والولي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم به، وإنما أخبر به بناءً على رؤيا، أو بالفراسة، أو بتجلِّ قلبي، على أنّ كل كرامة لوليّ فهي معجزة لنبيه. قال بعضهم: وفي هذه الآية دلالة على تكذيب المنجّمة، وليس كذلك، فإنَّ فيهم مَن يَصدق خبره، وكذلك المتطببة، فإنهم يعرفون طبائع النبات، وذا لا يُعرف بالتأمُّل، فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره، وبقي علمه في الخلق. قاله النسفي. فتحصّل: أنّ إطلاع النبي على الغيب قطعي، وغيره ظني.
وقال أبو السعود: وليس في الآية ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف، فإنّ اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصول مرتبةٍ ما من تلك المراتب لغيرهم أصلاًن ولا يدعي أحدٌ لأحدٍ من الأولياء ما في رتبة الرسل عليهم السلام من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح. هـ. وفيه تعريض بالزمخشري، فإنه استدل بالآية على نفي كرامات الأولياء، قال: لأنَّ الله خصّ الاطلاع على الغيب بالرسل دون غيرهم. قال بعض العلماء: ولا غرابة في إنكار معظم المعتزلة لكرامات الأولياء؛ إذ هم لم يُشاهدوا في جماعتهم الضالة المضلة ولياً لله تعالى قط، فكيف يعرفون الكرامة؟ !!. هـ.