" إنه ليخف على المؤمِنِ، حتى يكونَ أخف من صلاةٍ مكتوبة يُصلّيها في الدنيا ". وقال عبد الحق في العاقبة: إنَّ طول اليوم ذلك المقدار، ولكن مِن الناس مَن يطول قيامه وحبسه إلى آخر اليوم، ومنهم مَن ينفصل في مقدار يوم من أيام الدنيا، وفي ساعة من ساعته، وفي أقل من ذلك، يكون رائحاً في ظل كسبه، وعرش ربه، ومنهم مَن يؤمر به للجنة من غير حساب ولا عذاب، كما أنَّ منهم مَن يُؤمر به إلى النار في أول الأمر، من غير وقوف ولا انتظار، أو بعد يسير من ذلك. هـ. وقال القشيري ما معناه: يحاسب الخلق في يوم قصير ووقت يسير، ما لو كان الناس يشتغلون به لكان ذلك خمسين ألف سنة، والله يُجري ذلك ويُمْضِيه في يوم واحد. هـ. بعيد.
{
فاصبرْ} يا محمد {صبراً جميلاً} ، وهو متعلق بـ " سأل سائل " لأنَّ استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يؤذي الرسولَ ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأُمر بالصبر عليه. والصبر الجميل: ألاَّ يصحبه جزع ولا شكوى. قال بعضهم: الأمر بالصبر الجميل مُحْكم في كل حال، فلا نسخ فيه، وقيل: نسخ بالقتال. {إِنهم} أي: الكفار {يَرَوْنه} أي: العذاب، أو يوم القيامة {بعيداً} ؛ مستحيلاً، {ونراه قريباً} ؛ كائناً لا محالة، فالمراد بالبعيد: البعيد من الإمكان، وبالقريب: القريب منه، أي: ونعلمه هيّناً في قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذّر. ثم بيَّن وقته بقوله: {يومَ تكونُ السماءُ كالمُهْل} ، فهو متعلق بـ " قريباً " أي: يمكن ويقع في ذلك اليوم. قال أبو السعود: ولعل الأقرب أن قوله تعالى: {سأل سائل} حكاية لسؤالهم المعهود، على طريقة قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} [الأعراف: 187والنازعات: 42] وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [يونس: 48] ونحوه، إذ هو المعهود بالوقوع على الكافرين، لا ما دعا به النضر أو أبو جهل أو الفهري، فالسؤال بمعناه، والباء بمعنى " عن "، وقوله تعالى: {ليس له دافع، من الله} : استئناف مسوق لبيان وقوع المسؤول عنه لا محالة، وقوله تعالى: {فاصبرْ صبراً جميلا} مترتب عليه، أي: فاصبر فإنه يقع لا محالة. وقوله تعالى: {إنهم يرونه بعيداً ... } الخ تعليل للأمر بالصبر. وقوله تعالى: {يوم تكون} : متعلق بـ " ليس له دافع " أو: بما يدل عليه، أي: يقع يوم تكون السماء كالمُهل، وهو ما أذيب على مَهَل من النحاس والقار، وقيل: كدرديِّ الزيت. هـ. {وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ} ؛ كالصوف المصبوغ ألواناً؛ لأن الجبال {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] ، فإذا بُسّت، وطُيِّرَتْ في الجو أشبهت العهن المنفوش
إذا أطارته الريح، {وَلاَ يَسألُ حميمٌ حَمِيماً} أي: لا يسأل قريب عن قريبه لاشتغاله بنفسه، ومَن قرأ بضم الياء فمعناه: لا يُسأل عنه، بل كلّ واحد يُسألُ عن نفسه، فلا يُطالب أحد بذنب أحد.