البيان، ولو كان الأمر كما زعم المشبَّه؛ لكان من حقِّ الساق أن يُعرَّف؛ لأنها ساق معهودة عنده. هـ. قلت: انظر الثعلبي، فقد نقل أحاديث الحشر، وكلها تدل على أنَّ كشف الساق حقيقة، وذكر حديث أبي موسى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " {يوم يُكشف عن ساق} قال: عن نور عظيم، يخرُّون له سجداً "، ثم ذكر حديث الحشر بتمامه، ومَن كحّل عينيه بإثمد التوحيد الخاص لم يصعب عليه أمثال هذه المتشابهات؛ إذ الحق جلّ جلاله غير محصور، بل يتجلّى كيف شاء، وقد ورد أنه يتجلّى لفصل عباده، فيجلس على كرسيه، وورد أيضاً في حديث كشف الساق: أنه يتقدّم أمامهم بعد كشف الساق وسجود المؤمنين له، ثم ينطلق بهم إلى الجنة. ذكر الحديث المنذري وغيره، ونقله المحشي الفاسي في سورة البقرة، عند قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلآ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ} [البقرة: 210] الآية، وليس هذا تجسيم ولا حصر؛ إذا ما في الوجود إلاّ تجليات الحق، ومظاهر ذاته.

ثم قال تعالى: {ويُدْعَون إِلى السجود} توبيخاً وتعنيفاً على تركهم له في الدنيا، وتحسُّراً لهم على تفريطهم في ذلك، لا تكليفاً، إذ ليست دار تكليف، {فلا يستطيعون} ذلك؛ لأنَّ ظهورهم تصير كصياصي البقر، وفيه دلالة على أنهم يقصدون السجود فلا يتأتى منهم ذلك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: تَفقُم أصلابهم، أي: تُرد عظماً بلا مفاصل، لا تثنى عند الرفع والخفض. وفي الحديث الصحيح: " يخرُّون لله سُجداً أجمعون، ولا يبقى أحد كان يسجد لله رياء وسمعة ونفاقاً إلاَّ صار ظهره طبقاً واحداً، كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ". {خاشعةً أبصارُهم} أي: ذليلة، حال من الضمير في " يُدْعَون "، أي: يُدعون في حال خشوع أبصارهم، ونسبة الخشوع إلى الأبصار؛ لظهور أثره فيها، {تَرْهَقهم} أي: تلحقهم وتغشاهم {ذلَّةٌ} شديدة، {وقد كانوا} في الدنيا {يُدْعَون} على ألسنة الرسل {إِلى السجود} ، والأصل: إليه، وإنما أظهر لزيادة التقرير، أو: لأنَّ المراد به الصلاة بما فيها من السجود، والدعوة دعوة تكليف، {وهم سالِمون} متمكنون منه أقوى تمكُّن، فلا يُجيبون إليه ويأبونه، وإنما لم يذكره معه لظهوره.

الإشارة: إنَّ للمتقين ما سوى الله عند ربهم؛ في حضرة قدسه، جناتِ النعيم، وهي جنات المعارف في نعيم دوام الشهود والرؤية، أفنجعل المسلمين المنقادين لأحكامنا القهرية والتكليفية، كالمجرمين العاصين، ثم وبَّخ مَن سوَّى بينهم وطالبه بالحجة. وقوله تعالى: {يوم يُكشف عن ساق} أي: يوم يتجلّى لعباده بنور من نور ذاته، على صورة آدم، تشريفاً لهذا الآدمي، وفي الحديث: " إنَّ الله خلق آدم على صورته " أي: على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015