ويجوز أن يراد نفس الخطأ والنسيان إذ لا تمتنع المؤاخذة بهما عقلاً، فإن الذنوب كالسموم، فكما أن تناول السم يؤدى إلى الهلاك، وإن كان خطأ- فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب، وإن لم يكن عزيمة، لكنه تعالى وعد التجاوز عنه رحمة وفضلاً. ويجوز أن يدعو به الإنسان، استدامة واعتداداً بالنعمة فيه. ويؤيد ذلك مفهوم قوله- عليه الصلاة والسلام-: «رفع عن أمتي الخطأ والنِّسْيَانْ» ، أي: فإن غير هذه الأمة كانوا يؤاخذون به، فدلّ على عدم امتناعه. قاله البيضاوي.
ثم قالوا: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً أي: عهداً ثقيلاً يأصر ظهورنا، أي: يثقله، فتعذبنا بتركه وعدم حمله، كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا مثل اليهود في تكليفهم بقتل الأنفس في التوبة، وقطع موضع النجاسة، وغير ذلك من التكاليف الشاقة، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ من التكاليف التي لا تسعها طاقتنا، وهذا يدل على جواز التكليف بما لا يطاق عادة، وإلا لما سئل التخلص منه، وَاعْفُ عَنَّا أي: امح ذنوبنا، وَاغْفِرْ لَنا أي: استر عيوبنا، وَارْحَمْنا أي: تعطف علينا. اعْفُ عَنَّا الصغائر، وَاغْفِرْ لَنا الكبائر، وَارْحَمْنا عند الشدائد والحسرات، أَنْتَ مَوْلانا أي: سيدنا وناصرنا، فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء.
قال البيضاوي: (رُوِيَ أنه عليه الصلاة والسلام- لمّا دعا بهذه الدعوات قيل له: فعلتُ) . وعنه عليه الصلاة والسلام: «أُنْزِلَ آيتان من كُنوز الجنة، كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفَيْ سنة، من قرأهما بعد العشاء الأخيرة أجْزَأتَاه عن قيام الليل» . وعنه عليه الصلاة والسلام: «من قرأ الأيَتينِ مِنْ آخِر سُورَةِ الْبَقَرةِ في لَيْلَة كَفَتَاهُ» . وهو يَرُدُّ قول من استكره أن يقال سورة البقرة، وقال: ينبغي أن يقال السورة التي يذكر فيها البقرة، كما قال- عليه الصلاة والسلام-: «السورة التي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها فإنَّ تعلُّمها بَرَكَة، وَتَرْكَهَا حَسْرَة، ولن يَسْتَطِيعها البَطَلَةُ. قيل: وما البطلة؟ قال: السحرة» (?) .
الإشارة: يُفهم من سر الآية أن من شق عليه أمر من الأمور، أو عسرت عليه حاجة، أو نزلت به شدة أو بلية، فليرجع إلى الله، ولينطرح بين يدي مولاه، وليعتقد أن الأمور كلها بيده فإنَّ الله تعالى لا يخليه من معونته ورفده، فيخفف عنه ما نزل به، أو يقويه على حمله، فإن الصحابة- رضي الله عنهم- لما شق عليهم المحاسبة على الخواطر سلَّموا وأذعنوا لأمر مولاهم، فأنزل عليهم التخفيف، وأسقط عنهم في ذلك التكليف، وكل من رجع في أموره كلها إلى الله قضيت حوائجه كلها بالله. «من علامات النجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات» .