وغاب عنكن أن يُبدله أخلاقاً طيبة، ونفوساً مطمئنة، مسلماتٍ مؤمناتٍ قانتاتٍ تائباتٍ، عابداتٍ سائحاتٍ بأفكارها في ميادين الغيوب، وبحار التوحيد، ثيبات، أي: تأتي بعلوم الرسميات وأبكار الحقائق.

يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها الذين آمنوا قُو أنفسَكم} أي: نَجُّوها من النار، بترك المعاصي وفعل الطاعات، {وأهليكم} بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم، أو بان تُعلِّموهم وتُرشدوهم. قال القشيري: أظهٍروا من أنفسكم الطاعات ليتعلموا منكم ويقتادوا بأفعالكم. هـ. وفي الحديث: " رحِم الله امرءاً قال: يا أهلاه، صلاتَكم صيامَكم مسْكينَكم، يتيمَكم " أي: الزموا ما ينفعكم، فمَن له أهل وأهملهم من التعلُّم والإرشاد عُوتب عليهم، أي: احملوهم على الطاعة، لتَقُوهُمْ {ناراً وقُودُهَا الناسُ والحجارةُ} أي: نوعاً من النار لا تتّقد إلاّ بالناس والحجارةن كما تتّقد غيرها بالحطب. قال ابن عباس: هي حجارة الكبريت، فهي أشد الأشياء حرًّا. {عليها ملائكةٌ} تلي أمرها والتعذيبَ بها، وهي الزبانية، {غِلاظٌ شِدادٌ} ؛ غلاظُ الأقوال، شِدادُ الأحوال، أو: غلاظُ الخلْق، شِداد الخُلُق، أقوياءُ على الأفعال الشديدة، لم يخلق اللهُ فيهم رحمة، {لاَّ يَعْصُون اللهَ مَآ أَمَرَهم} أي: لا يعصون أمره، فهو بدل اشتمال من " الله " أو: فيما أمرهم، على نزع الخافض، {ويفعلون ما يُؤمرون} من غير تراخ ولاتثاقل، وليست الجملتان في معنى واحد؛ إذ معنى الأولى: أنهم يمتثلون أمره ويلتزمونها، ومعنى الثانية: أنهم يُؤدون ما يُؤمرون به، ولا يتثاقلون عنه ولا يتوَانون فيه.

ويُقال للكفرة يوم القيامة عند دخولهم النار: {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليومَ} إذ لا ينفعكم عذركم؛ حيث فرَّطتم في الدنيا، {إِنما تُجْزَون} اليوم {ما كنتم تعملون} في الدنيا من الكفر والمعاصي، بعدما نُهيتُم عنها، وأُمرتم بالإيمان والطاعة، فلا عُذر لكم قطعاً.

الإشارة: قُوا أنفسكم نارَ الحجبة والقطيعة، بتخليتها من الرذائل، وتحليتها بالفضائل، ليلحقوا بكم في درجاكم. ونار القطيعة وقودها الناس، أي: عامة الناس والقلوب القاسية، عليها ملائكة غِلاظ شِداد، وهم القواطع القهرية، فمَن كفر بطريق الخصوصية لا ينفعه يوم القيامة اعتذاره، حين يسقط عن درجة المقرَّبين الأبرار وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015