والسعي في تدبير مصالحهم، وليس في الآية ترهيب من مخالطة الأزواج والأولاد، إنما المراد النهي عن الاشتغال بهم عن ذكر الله وطاعته، فإذا تيسّر ذلك معهم فالمخالطة أولى، فَعَن أنس رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله؛ الجلوس مع العيال أحب إليك أم في المسجد؟ قال: " جلوس ساعة مع العيال أحب إليَّ من الاعتكاف في مسجدي هذا، ودرهم تُنفقه على العيال أفضل من أن تنفقه في سبيل الله " انظر السمرقندي.
{فاتقوا اللهَ مَا استطعتم} أي: ابذلوا جهدَكم وطاقتكم في تقواه، قال ابن عطية: تقدّم الخلاف هل هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] أو: مُبيّنة لها، والمعنى: اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم، وهذا هو الصحيح. هـ. {واسمَعُوا} ما تُوعظون به، {وأطيعوا} فيما تُؤمرون به {وأَنفِقوا} مما رزقناكم في الوجوه التي أُمرتم، فالإنفاق فيها خالصاً لوجهه {خيراً لأنفسِكم} أي: وائتوا خيراً لأنفسكم، {ومَن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} الفائزون بكل خير.
{إِن تُقرضوا اللهَ} بصرف أموالكم إلى المصارف التي عيّنها {قرضاً حسناً} مقروناً بالإخلاص {يُضاعِفْهُ لكم} بالواحدة عشراً إلى سبعمائة أو أكثر، {ويغفرْ لكم} ببركة الإنفاق ما فرط منكم، {واللهُ شكورٌ} يُعطي الجزيل في مقابلة القليل، {حليمٌ} لا يُعاجِل بالعقوبة، {عالمُ الغيب والشهادة} لا تخفى عليه خافية، {العزيزُ الحكيمُ} مبالغ في القدرة والحكمة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل: مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. هـ. قال القشيري: إنَّ من أزواجكم: نفوسكم الأمَارة، وأولادكم: صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا: تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. هـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادُكُم فتنةٌ اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو: بالغيبة عنها