التغابن، يغبن الذاكرون الغافلين، والمجتهدون المقصّرين، والعارفون بالله والمحجوبين عنه، وهذا هو الغبن الكبير، ومَن يُؤمن بالله، ثم يَجْهد في شهود الله، ويعمل عملاً صالحاً، وهو العمل بالله، نُكفِّر عنه سيئاته، أي رؤية أعماله ووجوده، أي: نُغَطِّي وصفَه بوصفي، ونعتَه بنعتي، ونُدخله جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكم، وذلك هو الفوزُ العظيم، أي: خَلْع الوجود المجازي عنه، وإلباس الوجود الحقيقي هو الفوز العظيم. والذين كفروا بطريق الخصوص، وكذَّبوا بآياتنا، وهم العارفون الدالون على الله، أولئك أصحاب النار، أي: نار الحجاب وجحيم الاحتجاب، خالدين فيها، وبئس المصير الحجاب والاحتجاب.
يقول الحق جلّ جلاله: {ما أصاب من مُصيبةٍ} دنيوية أو أخروية {إِلاّ بإذن الله} أي: بتقديره وإرادته، كأنها بذاتها متوجهة إلى الإنسان، متوقفة على إذنه تعالى، {ومَن يُؤمن بالله} أي: يُصدِّق بأنّ المقادير كلها بيد الله {يَهْدِ قلبه} للرضا والتسليم، أو الاسترجاع، فيقول: إنَّا لله وإنّا إليه راجعون، أو: يَهْدِ قلبه حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وعن مجاهد: إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظُلم غفر. ونقل ابن عطية عن المفسرين: أنّ المراد: مَن اعترف بالقدر هانت عليه المصيبة، وسلَّم لأمر الله تعالى. {واللهُ بكل شيءٍ عليمٌ} فيعلم ما في القلوب من برد الرضا أو حرارة التدبير.
{وأطيعوا اللهَ} فيما أمركم به، ومن جملته: الرضا بقضائه عن المصائب، {وأطيعوا الرسولَ} فيما سنَّ لكم من الأخلاق الطيبة، وكرر الأمر للتأكيد والإيذان بالفرق بين الطاعتين في الكيفية، {فإِن توليتم} عن طاعتهما {فإنما على رسولنا البلاغُ المبين} ، وهو تعليل للجواب المحذوف، أي: فإن تُعرضوا فلا بأس عليه؛ إذ ما عليه إلاّ البلاغ، وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه. وإظهار الرسول مضافاً إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه صلى الله عليه وسلم والإشعار بأنّ مدار الحكم، الذين هو وظيفته عليه السلام هو محض التبليغ، ولتشنيع التولِّي عنه.
{اللهُ لاَ إِله إِلاَّ هُوَ} لا يستحق العبادة غيره، فـ " الله ": مبتدأ، و " لاَ إله إِلاَّ هُوَ ": خبره، {وعلى الله} دون غيره {فليتوكل المؤمنون} ، حَثّ رسولَه صلى الله عليه وسلم على التوكُّل عليه حتى ينصره الله، وهي عامة لغيره، وإظهار الجلالة في موضع الإضمار للإشعار بعليّة