يقول الحق جلّ جلاله: {سَبَّح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيزُ الحكيم} . ولمَّا قال بعضُ الصحابة: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لبذلنا في أموالنا، فنزلت أية الجهاد، فتباطأ بعضُهم، فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون} . وقيل: لمَّا أخبر الله بثواب شهداء بدر، فقالوا: والله لئن شَهِدنا قتالاً لنُفْرِغَنَّ فيه وُسْعَنا، ففرُّوا يوم أُحُد، فنزلت. وقيل: نزلت فيمن يمدح كذباً، حيث كان يقول: قتلتُ، ولم يقتل، وطعنتُ، ولم يطعن، وقيل: كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر ونكأ فيهم، فقتله صُهيب، وانتحل قتله آخر، فنزلت في المنتحِل. أي: لأيّ شيء تقولونه من الخير والمعروف، على أنّ مدار التوبيخ إنما هو عدم فعلهم، وإنما وجّه إلى قولهم تنبيهاً على تضاعيف معصيتهم، لبيان أنَّ المنكَر ليس ترك الخير الموعود فقط، بل الوعد به أيضاً، وقد كانوا يحسبونه معروفاً، ولو قيل: لِمَ لا تفعلون ما تقولون، لفُهم منه أنّ المنكَر إنما هو ترك المفعول.
{كَبُرَ مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} ، هو بيان لغاية قُبح ما فعلوا، وفرط سماحته، و " كَبُرَ " جارية مجرى نعم، بزيادة معنى التعجُّب، ومعنى التعجُّب: تعظيم الأمر في قلوب السامعين؛ لأنّ التعجُّب لا يكون إلاّ مِن شيءٍ خارج عن نظائره، وفي " كَبُرَ " ضمير مبهَم مفسَّر بالنكرة بعده، و " أن تقولوا " هو المخصوص بالذم، وقيل: قصد فيه التعجُّب من غير لفظه، وأُسند إلى " إن تقولوا "، ونصب " مقتاً " على تفسيره، دلالةً على أنّ