وأولادكم، بما اعتراكم من أهوال ذلك اليوم، حسبما نطق به قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ... } [عبس: 34-36] الآيات، ويحتمل أن يكون ظرفًا لـ " تنفعكم "، أي: لا تنفعكم أقاربكم يوم القيامة، ثم استأنف بقوله: {يفصل بينكم} لبيان عدم نفعهم. وهنا قراءات بيّنّاها في غير هذا. {والله بما تعملون بصيرٌ} فيجازيكم على أعمالكم.
الإشارة: أعدى الأعادي إليك نفسك، فهي عدوة لله ولرسوله ولأوليائه؛ لأنها أمّارة بالسوء، ويُضاف إليها جنودها، فيقال {يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} ، من النفس وجنودها، تُلقون إليهم بالمودّة والموافقة، وقد كفروا بما جاءكم من الحق من طريق المجاهدة، يُخرجون الرسول: الوارد الحقيقي، أو الإيمان العياني، من قلوبكم، ويُخرجونكم من الحضرة كراهةَ أن تُؤمنوا بالله ربكم إيماناً حقيقيًّا، إن كنتم خرجتم عن هواكم جهادًا في سبيلي، وابتغاء مرضاتي ومعرفتي، تُسِرُّون إليه بالمودة والموافقة، وأنا أعلم بما أخفيتم من الميل إلى حظوظها، وما أعلنتم، ومَن يفعله ـ أي: الميل عن طريق المجاهدة ـ فقد ضلّ سواء السبيل؛ طريق الوصول، فقد قيل: " مَن رأيته يتبع الرُخص والشهوات، فاعلم أنه لا يأتي منه شيء ". لن تنفعكم أقاربكم ولا حظوظكم، بدلاً من الله شيئًا " ماذا وجَدَ من فقدك "، فالحظوظ الفانية تفنى وتبقى الحسرة والندامة. يوم القيامة يفصلُ بينكم وبينها؛ لفنائها، أو بينكم وبين ما تشتهون من دوام النظرة، والله بما تعملون بصيرٌ، فيُجازي على قدر الكدّ والتعب.
يقول الحق جلّ جلاله: {قد كانت لكم أُسوةٌ} أي: قدوة {حسنةٌ} أو: خصلة حميدة، حقيقة بأن يُرتقى بها ويُقتدى، كائنة {في إِبراهيمَ والذين معه} من أصحابه المؤمنين، أو: الأنبياء المعاصرين له، وقريبًا من عصره، ورجّحه الطبري وغيره؛ لأنه لم يروا لإبراهيم أتباع مؤمنون وقت مكافحته نمرودًا. وقد قال لسارة، حين رحل بها إلى الشام: " ليس على وجه الأرض مَن يعبد الله غيري وغيرك ". {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} ، جمْع بريء، كظريف وظرفاء، أي: نتبرأ مِّنْكُمْ {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الأصنام، {كَفَرنا بكم} أي: بدينكم، أو: معبودكم، أو: بكم وبأصنامكم، فلا نعتد