لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] قيل: كان الرجل يأتي الصف، فيقول: تفَفسَّحوا، فيأبَوا، لحرصهم. والأول أنسب بذكر النجوى أولاً وثانياً. فإن امتثلتم وتفسحتم {يَفْسَحِ اللهُ لكم} في كل ما تريدون التفسُّح فيه، من الرزق، والدار، والصدر، والقبر، والجنة، والعلم، والمعرفة. {وإِذا قيل انشُزُوا} أي: ارتفعوا من مجلسه، وانهضوا للصلاة، أو الجهاد، أو غيرهما من أعمال البر، أو: انشزوا للتوسعة في المجلس على المقبِلين، {فانشُزُوا} أي: فانهضوا ولا تُبطِئوا، وقيل: كانوا يُطيلون الجلوس معه صلى الله عليه وسلم وربما جلس قوم حتى يؤمروا بالقيام، فأُمروا بالقيام وعدم التثقيل. وفي مضارع " نشز " لغتان الضم والكسر، والأمر تابع له.
{يَرْفَعِ اللهُ الذين آمنوا منكم} بامتثال أوامره وأَمْرِ رسوله، بالنصر وحسن الذكر في الدنيا، والإيواء إلى غرف الجنان في الآخرة. {و} يرفع {الذين أُوتوا العلمَ} خصوصاً {درجاتٍ} عالية، بما جمعوا من أثريْ العلم والعمل، فإنّ العلم مع علو رتبته يزيد مع العمل رفعةً لا يُدرك شأوها، بخلاف العلم العاري عن العمل، وإن كان له شرف في الجملة، ولذلك يُقتدى بالعالِم في أفعاله فقط. وفي هذه الدرجات قولان، أحدهما: في الدنيا، في الرتبة والشرف والتعظيم، والآخر: في الآخرة، وهو أرجح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " يرفع العالم فوق المؤمن سبعمائة درجة، بين كل درجة كَمَا بَيْنَ السَّماءِ والأرضِ "، ومثل هذا لا يُقال بالرأي. وتقدير الآية: يرفع الله الذي آمنوا منكم درجةً، والذين أُوتوا العلم درجات، وقيل: " درجات " يرجع لهما معاً، وتفضيل أهل العلم يؤخذ من خارج.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه كان إذا قرأها قال: " يا أيها الناي افهموا هذه الآية، ولترغبكم في العلم ". وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " فَضلُ العَالِمِ على العابِد كفضل القمر ليلة البدرعلى سائر الكواكب "، وعنه صلى الله عليه وسلم: " عبادة العالم يوماً واحداً تعدل عبادة العابد أربعين سنة " يعني الجاهل، وعنه صلى الله عليه وسلم: " يشفعُ يومَ القيامة ثلاثةٌ: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء "، فأَعْظِم بمرتبةٍ هي واسطة بين النبوة والشهادة، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشمل الحديث العلماء بالله وبأحكام الله، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: خُيّر سليمان عليه السلام بين العلم والمال والمُلك، فاخترا العلم، فأعطى المالَ والمُلكَ معه. وقال صلى الله عليه وسلم: " أوحى اللهُ إلى إبراهيم عليه السلام: يا إبراهيم إني عليم، أُحب كل عليم