{وما لكم لا تؤمنون بالله} هو حال، أي: أيّ شيء حصل لكم غير مؤمنين، وهو توبيخ على ترك الإيمان حسبما أُمروا به، بإنكار أن يكون لهم عذر مّا في الجملة، {والرسولُ يدعوكم} ويُنبهكم عيله، ويُقيم لكم الحجج على ذلك، {لتؤمنوا بربكم وقد أخذ} قبل ذلك عليكم ميثاقه في عالم الذر، على الإقرار بالربوبية، والتصديق بالداعي، بعد أن رَكّب فيكم العقول، فلم يبق لكم عذر في ترك الإيمان، أو: أخذ ميثاقه بنصب الأدلة والتمكين من النظر، فانظروا واعتبروا وآمنوا، {إِن كنتم مؤمنين} بأخذ هذا الميثاق، أو: بموجبٍ ما، فإنَّ هذا موجب لا موجب وراءه.

{

هو الذي يُنَزِّلُ على عبده} محمد صلى الله عليه وسلم {آيات بيناتٍ} واضحاتٍ، يعني القرآن، {ليُخرجَكم} أي: الله تعالى، أو العبد {من الظلمات} أي: من ظلمات الكفر والمعاصي والغفلة، إلى نور الإيمان والتوبة واليقظة، {وإنَّ الله بكم لرؤوف رحيم} حيث يهديكم إلى سعادة الدارين، بإرسال الرسول، وتنزيل الآيات، بعد نصب الحُجج العقلية.

ثم وبَّخهم على ترك الإنفاق، بعد توبيخهم على ترك الإيمان، على ترتيب قوله: {آمِنوا} و {إنفِقوا} فقال: {وما لكم ألاَّ تُنفقوا في سبيل الله} أي: أيَ شيء حصل لكم في ألاّ تنفقوا فيما هو قُربة إلى الله تعالى، وهو له حقيقة، وإنما أنتم خلفاؤه في صرفه إلى ما عيّنه من المصارف؟ {ولله ميراثُ السماوات والأرض} يرث كل شيء فيهما، لا يبقى لأحد شيء من ذلك، وإذا كان كذلك فأيّ عذر لكم في ترك إنفاقه {في سبيل الله} والله مُهلككم، فوارث أموالكم؟ فتقديمها لله أولى، وهي أبلغ آية في الحث على الصدقة. وإظهار اسم الجليل في موضع الإضمار في " لله " لزيادة التقرير، وتربية المهابة.

ثم بيّن التفاوت بين المنفِقين منهم باعتبار الزمان، فقال: {لا يستوي منكم مَن أنفق مِن قبل الفتح وقاتلَ} مع مَن أنفق بعد الفتح وقاتل، حذفه لدلالة ما بعده عليه من قوله: {أولئك أعظم درجة ... } الخ، والمراد: فتح مكة، أي: لا يستوي مَن أنفق قبل عز الإسلام وظهوره، مع مَن أنفق بعد لك، {أولئك} الذين أنفقوا قبل الفتح وقاتلوا، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهباً ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، ولا نِصفه "، فهم {أعظمُ درجةً من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلَوا} لأنّ مَن أنفق وقت الحاجة والاضطرار، أعظم ممن أنفق في حال السعة والبسط، {وكُلاًّ} أي: كل واحد من الفريقين {وَعَدَ اللهُ الحسنى} وهي الجنة مع تفاوت الدرجات. وقرأ الشامي بالرفع، مبتدأ، أي: وعده الله الحسنى، {والله بما تعملون خبير} فيُجازيكم على قدر أعمالكم.

{من ذا الذى يُقْرِضُ اللهَ قرضاً حسناً} هو ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015