فَدَعا رَبَّهُ حين أيس منهم أَنِّي مَغْلُوبٌ أي: بأني مغلوب من جهة قومي، بتسليطهم عليّ، فلم يسمعوني، واستحكم اليأس من إجابتهم. قال القشيري: مغلوب بالتسلُّط لا بالحجة، إذ الحجة كانت له. هـ. وهذا جار فيمن لم يستجب لك، تقول: غلبني. ثم دعا عليهم بقوله: فَانْتَصِرْ فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، وذلك بعد تحقُّق يأسه منهم وعظم إذايتهم. فقد رُوي أن الواحد منهم كان يلقاه فيضربه حتى يغشى عليه، فيقول:
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصب بكثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً، قال يمان: حتى طبق بين السماء والأرض (?) ، وقيل: كانوا يطلبون المطر سنين، فأُهلكوا بمطلوبهم. وفتح الأبواب كناية عن كثرة الأمطار، وشدة إنصابها، وقيل: كان في السماء يومئذ أبواب حقيقة.
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من قولك: وفجرنا عيون الأرض، ومثله: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (?) في إفادة العموم والشمول، فَالْتَقَى الْماءُ أي: مياه السماء ومياه الأرض، وقرىء: «الماءان» (?) ، أي: النوعان من الماء السمائي والأرضي. عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ أي: قُضي في أم الكتاب، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان، أو: قدر أنّ الماءين يكون مقدارهما واحداً من غير تفاوت. قيل: كان ماء السماء بارداً كالثلج، وماء الأرض مثل الحميم، ويقال: إنّ الماء الذي نبع من الأرض نضب، والذي نزل من السماء بَقِيَ حارّاً.
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ أي: أخشاب عريضة، والمراد: السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام موصوفها كالشرح له، وهو من فصيح الكلام ومن بديعه، وَدُسُرٍ ومسامير، جمع: دسار، وهو المسمار، فِعال مِن: دسره: إذا دفعه لأنه يدسَر به مَنفذه. تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أي. بمرأىً منا، أو: بحفظنا، وهو حال من فاعل «تجري» ، أي: تجري محفوظة جَزاءً مفعول له، أي: فعلنا ذلك جزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ وهو نوح عليه السلام، وجعله مكفوراً لأن النبي نعمة من الله ورحمة، فكان نوح نعمة مكفورة. وقرأ مجاهد بفتح الكاف، أي: عقاباً لمَن كَفَرَ بالله. قيل: ما نجا من الغرق إلاَّ عُوج بن عُنُق، كان الماء إلى حجزته (?) ، وسبب نجاته: أنّ نوحا احتاج إلى