حِكْمَةٌ بالِغَةٌ: بدل من «ما» ، أو: خبر، أي: هو حكمة بالغة ناهية في الرشد والصواب، أو: بالغة من الله إليهم. قال القشيري: والحكمة البالغة الصحيحة الظاهرة الواضحة لمَن فكّر فيها. هـ. قال المحلي: وصفت بالبلاغة لأنها تبلغ من مقصد الوعظ والبيان ما لا يبلغ غيرها هـ. فَما تُغْنِ النُّذُرُ شيئاً، حيث سبق القدر بكفرهم، و «ما» نافية، أو استفهامية منصوبة ب «تُغن» ، أي: فأيّ إغناء تُغني النُذر مع سابق القدر؟ والنُذر: جمع نذير، وهم الرسل، أو: المنذَر به، أو: مصدر بمعنى الإنذار، والتعبير بالمضارع للدلالة على تجدد عدم الإغناء، واستمراره حسب تجدُّد مجيء الزواجر واستمرارها.
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ لعلمك بأنّ الإنذار لا يُغني فيهم شيئاً، واذكر يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ (?) وهو إسرافيل عليه السلام إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ أي: منكر فظيع، تُنكره النفوس، لعدم العهد بمثله، وهو هول القيامة. خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ، ف «خُشَعاً» : حال من فاعل «يخرجون» ، أي: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ أذلة أبصارهم من شدة الهول لأن ذلة الذليل وعزة العزيز يظهرن في أعينهما، ومَن قرأ: «خاشعاً» (?) فوجهه: أنه أسند إلى ظاهر، فيجب تجريده كالفعل، وأما مَن قرأ بالجمع، فهو على لغة: «أكلوني البراغيث» ، كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ في الكثرة والتموُّج والتفرُّق في الأقطار. قال ابن عطية: في الحديث: أن مريم دعت للجراد فقالت: اللهم أعِشْها بغير رضاع، وتتابع بينها بغير شباع. هـ.
ثم وصف خروجهم من القبور، فقال: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ مسرعين مَادِّي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه، يَقُولُ الْكافِرُونَ استئناف بياني، وقع جواباً عما نشأ من وصف اليوم بالأهوال، وأهله بسوء الحال، كأن قائلا قال: فماذا يكون حينئذ؟ فقال: يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب شديد. وفي إسناد هذا القول إلى الكفار تلويح بأنّ المؤمنين ليسوا في تلك المرتبة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: اقتربت ساعة الفتح لمَن جَدّ في السير، ولازم صحبةَ أهل القرب، قال القشيري: الساعة ساعتان كبرى، وهي عامة، وصغرى، وهي خاصة بالنسبة إلى السالك إلى الله، برفع الأوصاف البشرية، وقطع العلائق الطبيعية. ثم قال: وإليه الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم: «مَن مات فقد قامت قيامته» (?) راجعة إلى الساعة الصغرى. هـ. أي: