قلت: (كم) : خبرية، تفيد التكثير، ومحلها: رفع بالابتداء، والجملة المنفية: خبر، وجمع الضمير في (شفاعتهم) لأن النّكرة المنفية تعم.

يقول الحق جلّ جلاله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ أي: كثير من الملائكة لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ عند الله تعالى شَيْئاً من الإغناء في وقت من الأوقات، إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لهم في الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ أن يشفعوا له، وَيَرْضى ويراه أهلاً للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان، وأما من عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم عن إذن الله بمعزلٍ، وعن الشفاعة بألف معزلٍ، فإذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر، فما ظنهم بحال الأصنام؟! ثم شنَّع عليهم في اعتقادهم الفاسد في الملائكة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ المنزّهين عن سمات النقص تَسْمِيَةَ الْأُنْثى، فإن قولهم: الملائكة بنات الله، قول منهم بأن كُلاً منهم بنته- سبحانه، وهي التسمية بالأنثى، وفي تعليقها بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنهم في الشناعة واستتباع العقوبة بحيث لا يجترىء عليها إلا مَن لا يؤمن رأساً.

وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أي: بما يقولون. وقرئ «بها» أي: بالتسمية، أو بالملائكة. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وهو تقليد الآباء، وَإِنَّ الظَّنَّ أي: جنس الظن، ولذلك أظهر في موضع الإضمار، لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً من الإغناء لأن الحق عبارة عن حقيقة الشيء، وهو لا يُدرك إلا بالعلم، والظن لا اعتداد به في باب المعارف الحقيقية، وإنما يُعتد به في العمليات وما يؤدي إليها.

فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا أي: عنهم، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوصل إلى وصفهم بما في حيز الصلة من الأوصاف القبيحة، ولتعليل الحكم، أي: فأعرض عمن تولى عن ذكرنا المفيد للعلم اليقيني، وهو القرآن المنطوي على علوم الأولين والآخرين، المذكِّر بالأمور الآخرة، أو: عن ذكرنا كما ينبغي، فإن ذلك يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمرهوب عنها، قال الطيبي: أعرِضْ عن دعوة مَن تدعوه إلى لقاء ربه والدار الآخرة، وهو يقول: ما هِيَ إلا حياتنا الدنيا ... الخ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا وزخارفها، قاصراً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015