يقول الحق جلّ جلاله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أي: أخبروني عن هذه الأشياء التي تعبدونها من دون الله، هل لها من القدرة والعظمة التي وُصف بها رَبُّ العزة في الآي السابقة حتى استحقت العبادة، أم لا؟ واللات وما بعدها: أصنام كانت لهم، فاللات كانت لثقيف بالطائف، وقيل: كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فَعْلَةٌ، من: لوى لأنهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها. وقرأ ابن عباس ومجاهد ورُويس بتشديد التاء، على أنه اسم فاعل، اشتهر به رجلا كان يُلتُّ السَّوِيق بالزيت، ويُطعمه الحاجَ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه (?) . (والعزى) كانت لغطفان، وهي شجرة كانوا يعبدونها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها، واضعة يدها على رأسها، وهو تُولول، فجعل خالد يضربها بالسيف حتى قتلها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تلك العُزى، لن تُعبد بعد اليوم أبداً» (?) .

(ومناة) : صخرة على ساحل البحر لهذيل وخزاعة، وقيل: بيت بالمشلّل يعبده بنو كعب، وسميت مناة لأن دماء النسائك تُمنى، أي: تُراق عندها لأنهم كانوا يذبحون عندها. وقرأ ابن كثير بالهمزة بعد الألف، مشتق من النوء لأنهم كانوا يستمطرون بالأنواء عندها، تبرُّكاً بها، وقيل: سَموا هذه الأصنام بأسماء الله، وأَنَّثوها، كأنها بنات الله في زعمهم الفاسد، فاللات من «الله» ، كما قالوا: عمر وعمرة، وعباس وعباسة، فالتاء للتأنيث. والعُزَّى: تأنيث العزيز، ومناة: تأنيث منان، فغُيّر تخفيفاً، ويؤيد هذا قوله تعالى ردا عليهم: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى.

والْأُخْرى: صفة ذمّ لها، وهي المتأخرة الوضيعة القدر، كقوله: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ (?) أي: وضعاؤهم لرؤسائهم، وقيل: وصفها بالوصفين لأنهم كانوا يُعظِّمونها أكثر من اللات والعزى، والفاء في قوله: (أفرأيتم) للعطف على محذوف، وهي لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: عَقِب ما سمعتم من كمال عظمته تعالى في ملكه وملكوته، وأحكام قدرته، ونفوذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما، رأيتم هذه الأصنام مع حقارتها بنات الله، مع وأدكم البنات، وكراهتكم لهنّ؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015