فتسكن روحه «1» ، ويحفظ عليه عَقْلُه، ويتم له حضورُه وتمييزُه، فسلَّم الروحَ على مَهَلٍ من غير استكراهٍ وعبوس منهم. وفي معناه يقول بعضهم:
أنا إنْ مِتُّ فالهوى حشو قلبي ... وبداءِ الهوى تموت الكرامُ «2» .
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ لكل نفس ما وعدها الله، بحسب سيرها من أول العمر إلى يوم البعث، (وجاءت كل نفس معها سائق) وهو الذي ساقها في مبدأ الوجود، إما سوقاً باللطف، أو سوقاً بالعنف عند قوله:
«هؤلاء إلى الجنَّةِ ولا أُبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» «3» ، وشهيد يشهد عليها بما جرى لها من الأحكام الأزلية (لقد كنتَ في غفلة من هذا) قال القشيري: يُشير إلى أن الإنسان، وإن خُلق من عالم الغيب والشهادة، فالغالب عليه في البداية الشهادة، وهو العالم الحسي، فيرى بالحواس الظاهرة العالَم المحسوس مع اختلاف أجناسه، وهو بمعزل عن إدراك عالم الغيب، فمن الناس يكشف له غطاؤه عن بصر بصيرته، فيجعل حديداً، يبصر رشده، ويحذر شره، وهم المؤمنون من أهل السعادة، ومنهم مَن يكشف له غطاء عن بصر بصيرته يوم القيامة يوم لا ينفع نفساً إيمانها..
الآية «4» ، وهم الكفار من أهل الشقاوة. هـ.
ثم ذكر أحوالهم بعد البعث، فقال
وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27)
قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)