وقال ابن زيد: معنى وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ لا يقل أحد: يا يهودي، بعد إسلامه، ولا يا فاسق، بعد توبته.

بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يعني: أن اللقب بئس الاسمُ هو، وهو ارتكابُ الفسق بعد الإيمان، وهو استهجان للتنابز بالألقاب، وارتكاب هذه الجريمة بعد الدخول في الإسلام، أو: بئس قولُ الرجل لأخيه: يا فاسق، بعد توبته، أو: يا يهودي، بعد إيمانه، أي: بئس الرمي بالفسوق بعد الإيمان.

رُوي: أنَّ الآية نزلت في صفية بنت حُيي، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن النساء يقُلن لي: يا يهودية بنتُ يهوديّين، فقال صلّى الله عليه وسلم: «هلاّ قلت: إن أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم» (?) ، أو: يُراد بالاسم هنا:

الذكر، من قولهم: طار اسمه فى النّاس بالكرم أو اللؤم، كأنه قيل: بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن يُذكروا بالفسق.

وقوله: بَعْدَ الْإِيمانِ، استقباح للجمع بين الإيمان والفسق الذي يحظره الإيمان، كما تقول: بئس الشأن بعد الكبرة الصَّبْوة. وَمَنْ لَمْ يَتُبْ عما نُهي عنه فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بوضع المخالفة موضع الطاعة، فإن تاب واستغفر خرج من الظلم.

وعن حذيفة رضي الله عنه: شَكَوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَرَب لساني، فقال: «أين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة» (?) ، والذَرَب- بفتح الذال والراء: الفحش، وفي حديث ابن عمر: كنا نعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: «رب اغفر لي، وتب عليّ، إنك أنت التوّاب الرحيم» (?) .

الإشارة: مذهب الصوفية التعظيم والإجلال لكل ما خلق الله، كائناً مَن كان لنفوذ بصيرتهم إلى شهودِ الصانع والمتجلِّي، دون الوقوف مع حس الصنعة الظاهرة، وقالوا: «شروط التصوُّف أربعة: كف الأذى، وحمل الجفا، وشهود الصفا، ورميُ الدنيا بالقفا» . فشهود الصفا يجري في الأشياء كلها، فإياك يا أخي أن تَحقِر أحداً من خلق الله فتُطرد عن بابه، وأنت لا تشعر، ولله در القائل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015