فاتهمهم النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليهم «خالد بن الوليد» خفيةً مع عسكر، وأمره أن يُخفي عليهم قدومَه، ويتطلعَ عليهم، فإن رأى ما يدلّ على إيمانهم أخذ زكاتهم ورجع، وإن رأى غير ذلك استَعمل فيهم ما يُستعمل في الكفار، فسمع خالدُ فيهم آذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ صدقاتهم، ولم يرَ منهم إلا الطاعة، فنزلت الآية (?) .

وسُمِّي الوليد فاسقاً لعدم تَثَبُّته فخرج بذلك عن كمال الطاعة، وفي تسميته بذلك زجرٌ لغيره، وترغيبٌ له في التوبة، والله تعالى أعلم بغيبه، حتى قال بعضهم: إنها من المتشابه، لِمَا ثبت من تحقُّق إيمان الوليد. وقال أبو عمر في الاستيعاب: لا يصح أن الآية نزلت في قضية الوليد لأنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من (?) ثمانية أعوام، أو من عشرة، فكيف يبعثه رسولاً؟! (?) هـ. قلت: لا غرابةَ فيه، وقد كان صلّى الله عليه وسلم يُؤَمِّر أسامةَ بن زيد على جيش، فيه أبو بكر وعمر، مع حداثة سِنِّه، كما في البخاري وغيره.

وفي تنكير (فاسق) و (نبأ) شِياعٌ في الفُسَّاق والأنباء، أي: إذا جاءكم فاسقٌ أيّ فاسقٍ كان، بأيِّ خبر فَتَبَيَّنُوا أي: فتوقفوا فيه، وتطلَّبوا بيان الأمر وانكشافَ الحقيقة، ولا تعتمدوا قولَ مَن لا يتحرّى الصدق، ولا يتحامى الكذب، الذي هو نوع من الفسوق.

وفي الآية دليل على قبول خبر الواحد العَدل لأنا لو توقفنا في خبره لسوّينا بينه وبين الفاسق، ولخلا التخصيص به عن الفائدة. وقرأ الأخوان: «فتثبتوا» والتثبُّت والتبيُّن متقاربان، وهما: طلبُ الثبات والبيان والتعرُّف.

أَنْ تُصِيبُوا أي: لئلا تصيبوا قَوْماً بِجَهالَةٍ: حال، أي: جاهلين بحقيقة الأمر وكُنه القصة.

فَتُصْبِحُوا فتصيروا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ مغتمِّين على ما فعلتم، متمنين أنه لم يقع، والنّدم: ضرب من الغم وهو أن يَغتم على ما وقع، يتمنى أنه لم يقع، وهو غم يصحبُ الإنسان صحبةً لها دوامٌ في الجملة.

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ فلا تكْذبوا، فإن الله يُخبره، فيهتك سر الكاذب، أو: فارجعوا إليه واطلبوا رأيه، ثم استأنف بقوله: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ لوقعتم في العنت وهو الجهد والهلاك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015