كل ما تُصادمه من الأغيار والأكدار، وكان الله عليماً بمَن يستحق هذه الواردات، حكيماً في ترتيبها وتدبيرها، ليُدخل مَن تأيّد بها جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكَم، ويغطي عنهم مساوئهم حتى يصلوا إليه، بما منه إليهم، لا بما منهم إليه وهذا هو الفوز العظيم، يفوز صاحبه بالنعيم المقيم، في جوار الكريم. ويُعذب أهل النفاق المنتقدين على أولياء الله، المتوجهين إليه، الظانين بالله ظن السوء، وهو أن خصوصية التربية انقطعت. ولله جنود السموات والأرض، أي: جنود الحجاب، وهو جند النفس، من الهوى والشيطان، والدنيا والناس، يُسلطها على مَن يشاء من عباده، إن يبقى في ظلمة الحجاب، والله غالب على أمره.
ثم شهد لرسوله بالرسالة، بعد بشارته بالفتح والعصمة، فقال:
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10)
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً تشهد على أمتك يوم القيامة، كقوله: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «1» وهو حال مقدَّرة، وَمُبَشِّراً لأهل الطاعة بالجنة، وَنَذِيراً لأهل المعصية بالنار، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، والخطاب للرسول والأمة، وَتُعَزِّرُوهُ تقوُّوه بنصر دينه، وَتُوَقِّرُوهُ أي:
تُعظِّموه بتعظيم رسوله وسائر حرماته، وَتُسَبِّحُوهُ تُنزِّهوه، أو تُصلوا له، من: السبحة، بُكْرَةً وَأَصِيلًا غدوة وعشية، قيل: غدوة: صلاة الفجر، وعشية: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. والضمائر لله تعالى. ومَن فرّق فجعل الأولين للنبي صلّى الله عليه وسلم والأخير لله تعالى، فقد أبعد. وقرأ المكي والبصري بالغيب في الأربعة، والضمائر للناس، وقرأ ابن السميفع «2» : «وتعززوه» بزائين «3» ، أي: تنصروه وتُعِزُّوا دينه.