يقول الحق جلّ جلاله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ أي: السكون والطمأنينة، فعلة، من: السكون، كالبهيتة من البهتان، فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى لم يتضعضعوا من الشروط التي عقدها صلّى الله عليه وسلم مع المشركين، مَن رَدّ مَن أسلم منهم، وعدم ردهم مَن رجع إليهم، ومِن دخول مكة قابلاً بلا سلاح، وغير ذلك مما فعله صلّى الله عليه وسلم معهم بالوحي، وما صدر عن عمر رضي الله عنه فلشدة قوته وصلابته، وما زال يعتق ويفعل أموراً كفارة لذلك. وقيل: (السكينة) :
الصبر على ما أمر به الله من الشرائع والثقة بوعد الله، والتعظيم لأمر الله، لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ أي:
يقيناً إلى يقينهم، أو: إيماناً بالشرائع مع إيمانهم بالعقائد.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث الله نبيه بشهادة «ألا إله إلا الله» فلما صدَّقوه فيها، زادهم الصلاة، فلما صدّقوه، زادهم الزكاة، فلما صدّقوه، زادهم الحج، فلما صدّقوا زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم (?) ، فذلك قوله:
لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُدبرها كما يريد، يُسلط بعضها على بعض تارة، ويوقع الصلح بينهما أخرى، حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحِكَم والمصالح، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً مبالغاً في العلم بجميع الأمور، حَكِيماً في تدبيره وتقديره.
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، اللام متعلق بما يدل عليه ما ذكر من قوله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من معنى التصرُّف، أي: دَبّر ما دَبَّر من تسليط المؤمنين، ليعرفوا نعمة الله ويشكروها، فيدخلهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي: يُغطّي عنهم مساوئهم، فلا يظهرها لهم ولا لغيرهم.
وتقديم الإدخال على التكفير، مع أن الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى.
وَكانَ ذلِكَ أي: ما ذكر من الإدخال والتكفير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً لا يُقادَر قدره لأنه منتهى