ما يكرهون» (?) . وعن الشعبي أنه قال: نزلت سورة الفتح بالحديبية، وأصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة ما لم يصب في غزوة، حيث بُويع بيعة الرضوان، وغُفر لَه ما تقدَم مِنْ ذنبه وما تأخر، وبلغ الهَديُ مَحِلَّه، وبُشِّروا بخيبر، وظهرت الروم على فارس، ففرح به المسلمون، وكان في فتح الحديبية آية عظيمة، وهي أنه نزح ماؤها حتى لم يبقَ فيها قطرة، فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مجّه فيها، فدرّت بالماء، حتى شرب جميع مَن كان معه (?) ، وقيل: جاش بالماء حتى امتلأت ولم ينفد ماؤها بعدُ (?) . وقيل: هو جميع ما فتح له صلى الله عليه وسلم، من الإسلام، والدعوة، والنبوة، والحجة، والسيف، ولا فتح أبين منه وأعظم، وهو رأس الفتوح كافة إذ لا فتح من فتوح الإسلام إلا هو شعبة من شُعبه، وفرع من فروعه. وقيل: الفتح: بمعنى القضاء، والمعنى: قضينا لك على أهل مكة أن تدخلها من قابل، وأيّاً ما كان فحذف المفعول للقصد إلى نفس الفعل، والإيذان بأنّ مناط التبشير هو نفس الفتح الصادر عنه سبحانه، لا خصوصية المفتوح. قاله أبو السعود.
فَتْحاً مُبِيناً ظاهر الأمر، مكشوف الحال، فارقاً بين الحق والباطل. وقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ غاية للفتح، من حيث إنه مترتب على سعيه صلّى الله عليه وسلم في إعلاء كلمة الله، بمكابدة مشاق الحروب، واقتحام موارد الخطوب، أي: جعلنا الفتح على يديك، وبسبب سعيك، ليكون سبباً لغفران الله لك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ أي: جميع ما فرط منك من ترك الأولى، وما سيقع، وتسميته ذنباً بالنظر إلى منصبه الجليل، وتقدم قريباً تحقيقه (?) . وقول الجلال (?) : «اللام للعلة الغائية فمدخولها مسبب لا سبب» ، لا يريد التعليل على حقيقته العقلية، فإنه عليه تعالى محال، وإنما يُريد صورة التعليل، الذي هو حكمة الشيء، وفائدته العائدة على خلقه، فضلاً وإحساناً، فالحِكمُ والمصالح غاية لأفعاله تعالى، ومنافع راجعة إلى المخلوقات، وليس شيء منها غرضاً وعلة غائية لفعله، بحيث يكون سبباً لإقدامِه على الفعل، وعلة غائية للفعل لغناه تعالى، وكماله في ذاته عن الاستكمال