ويستوحشون إذا أبطأ، وكان المنافقون على العكس من ذلك، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ في معنى الجهاد مُحْكَمَةٌ أي: مبيّنة غير متشابهة، لا تحتمل وجهاً إلا وجوب الجهاد. وعن قتادة: كل سورة فيها ذِكْر القتال فهي محكمة (?) لأن النسخ لا يَردُّ عليها لأن القتال نسَخَ ما كان قبلُ من الصلح والمهادنة، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. هـ.
وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ أي: أُمر فيها بالجهاد رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نفاق، أي: رأيت المنافقين فيما بينهم يضجرون منها، يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي: تشخص أبصارُهم جُبناً وجَزعاً كما ينظر مَن أصابته الغشيةُ عند الموت.
قال القشيري: كان المسلمون تضيق صدورُهم لتأخر الوحي، وكانوا يتمنون أن ينزل الوحيُ بسرعةٍ، والمنافقون إذا ذُكر القتال يكرهون ذلك لما كان يشُق عليهم القتال، فكانوا بذلك يفتضحون وينظرون إليه نظر المغشيِّ عليه من الموت أي: بغاية الكراهة لذلك، فَأَوْلى لَهُمْ تهديد، أي: الوعيد لهم. هـ. وقيل: المعنى:
فويل لهم، وهو أفعل، من: الوَلْي، وهو القرب، والمعنى: الدعاءُ عليهم بأن يليَهم المكروه، ويقربَ من ساحتِهم، وقيل: أصله: أَوْيَل، فقُلب، فوزنه: أفلَع، قال الثعلبي: يقال لمَن همّ بالعطَب ثم أفلت: أولى لك، أي: قاربت العطَب.
وقوله تعالى: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ: استئناف، أي: طاعة لله وللرسول، وقولٌ معروف حسن خيرٌ لهم، أو: يكون حكايةَ قولِ المنافقين، أي: قالوا: أَمْرُنا طاعة وقول معروفٌ، قالوه نفاقاً، فيكون خبراً عن مضمر، وقيل:
«أَوْلَى» : مبتدأ، و «طاعة» : خبره، وهذا أحسن، وهو المشهور من استعمال «أَوْلى» بمعنى: أحق وأصوب، أي:
فالطاعة والقول المعروف أَوْلى لهم وأصوب.
فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ أي: فإذا جدّ الأمر ولزمهم القتال فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ في الإيمان والطاعة لَكانَ الصدق خَيْراً لَهُمْ من كراهة الجهاد، وقيل: جواب «إذا» وهو العامل فيها- محذوف، أي: فإذا عزم الأمرُ خالفوا أو تخلّفوا، أو نافقوا، أو كرهوا.
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أي: فلعلكم إن أعرضتم عن دين الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض، بالتغاور والتناهب، وقطع الأرحام، بمقاتلة بعض الأقارب بعضاً، أو: فهل عسيتم إن توليتم أمور الناس وتأمّرتم عليهم أن تُفسدوا في الأرض، تَفاخراً على الملك، وتهالكاً على الدنيا، فإن أحوالكم شاهدة بذلك من خراب الدين، والحرص على الدنيا. قال فى