فإن كان تُبَّعاً المتقدم فنسبة الفعل إلى الدهر مجاز، كما سيأتي، وعقيدة الموحدين ألاَّ فاعل إلا الله، فالدهر مُسخّر بأمر الله وقدرته، بل هو من أسرار الله وأنوار صفاته، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا الدَهْرَ، فَإنَّ الله هو الدهر» (?) وقال صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يُؤذيني ابنُ آدم، يَسُبُّ الدَّهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلّب الليلَ والنهارَ» (?) فالأمور كلها بيد الله، والدهر إنما هو مظهر لعجائب القدرة، كما قال أبو علي الثقفي رضي الله عنه:
يا عاتبَ الدهر إذا نابَه (?) ... لا تَلُمِ الدهرَ على غَدْرِهِ
الدهرُ مأمورٌ له آمر ... قد انتهى الدهر إلى أمره
كم كافر أمواله جمّة ... تزاد أضعافاً على كفرِهِ؟
ومؤمنٍ ليس له دِرهمٌ ... يزداد إيماناً على فقرهِ؟
وقد ينسب أهل التوحيد الفعلَ إلى الدهر مجازاً، تغزُّلاً، في أشعارهم، كما قال عبد الملك بن مروان، حين ضعف حالُه:
فاستأثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرميني وما أَرْمي
يا دهر قد أكثرت فَجعتنا ... بِسَراتنا وقرت في العَظْمِ
وتركتنا لحماً على وَضَمٍ (?) ... لو كنت تستبقي من اللحم!!
وسلبتنا ما لستَ تُعقبنا ... يا دهرُ ما أنصفتَ في الحُكمِ!!.
قال تعالى: وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي: ليس لهم بما ذكر من اقتصار الحياة على ما في الدنيا، وإسناد التأثير إلى الدهر، (من علم) يستند إلى عقل ولا نقل، إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ما هم إلا قوم قصارى أمرهم الظن والتقليد، هذا معتقدهم الفاسد فى أنفسهم.