ما فى لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ من الشمول، كما في قوله تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (?) ، وأفرد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحدٍ واحد. مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ أي: من قدّامهم، لأنهم متوجهون إلى ما أعدّ لهم، أو:

من خلفهم لأنهم معرضون عن ذلك، مقبلون على الدنيا، فإن الوراء: اسم للجهة التي يواريها الشخص من قدّام وخلف، وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ لا يدفع عنهم ما كَسَبُوا من الأموال والأولاد شَيْئاً من عذاب الله تعالى، وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أي: الأصنام، و «ما» مصدرية، أو موصولة، وتوسيط حرف النفي بين المعطوفين ينبئ أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعاً، مبني على زعمهم الفاسد، حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره.

هذا أي: القرآن هُدىً في غاية الكمال من الهداية، كأنه نفس الهدى، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ أي: القرآن، وإنما وضع موضع ضميره الآيات لزيادة تشنيع كفرهم وتفظيع حالهم، لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ من أشد العذاب أَلِيمٌ مؤلم، بالرفع (?) صفة «عذاب» ، وبالجر صفة «رِجز» ، وتنوين عذاب في المواضع الثلاثة للتفخيم.

الإشارة: مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فار بعز الدارين. قال القشيري: فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكى الهَجْر. هـ.

قوله تعالى: إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً. قال القشيري: وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيوخنا، مولاى العربي الدرقاوى رضي الله عنه يقول: لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي: في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015