الإشارة: قل يا محمد: إن كان للرحمن ولد، على زعمكم في عيسى والملائكة، فأنا أولى بهذه النسبة على تقدير صحتها لأني أنا أول مَن عبد الله في سابق الوجود لأن أول ما ظهر نوري، فعَبَد اللهَ سنين متطاولة ثم تفرّعت منه الكائنات، ومَن سبق إلى الطاعة كان أولى بالتقريب، فلِمَ خصصتم الملائكة وعيسى بهذه النسبة، وأنا قد سبقتهم في العبادة، بل لا وجود لهم إلا من نوري، لكن لا ولد له، فأنا عبد الله ورسوله. قال جعفر الصادق: أول ما خلق اللهُ نور محمد صلى الله عليه وسلم قبل كلّ شىء، وأول مَن وحّد الله عزّ وجل من خلقه، درة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول ما جرى به القلم «لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم» . هـ. قاله الورتجبي. ففي الآية إشارة إلى سبقيته صلّى الله عليه وسلم، وأنه أول تجلٍّ من تجليات الحق، فمِن نوره انشقت أسرار الذات، وانفلقت أنوار الصفات، وامتدت من نوره جميع الكائنات.
قوله تعالى فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا ... الخ، كل مَن خاض في بحار التوحيد بغير برهان العيان، تصدق عليه الآية، وكذا كل مَن اشتغل بغير الله، وبغير ما يُقرب إليه فهو ممن يخوض ويلعب، وفي الحديث: «الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذِكْرَ الله، وما والاَه، أو عالماً أو متعلماً» «1» .
وقوله تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ ... الخ. قال القشيري: وفي الآية دليل على أن جميع المسلمين تكون شفاعتهم غداً مقبولة. هـ. أي: لأنهم في الدنيا شَهِدوا بالحق، وهو التوحيد عن علم وبصيرة، لكن في تعميمه نظر لأن الاستثناء، الأصل فيه الاتصال، ولأن مَن شهد بالحق مستثنى من «الذين يدعون من دونه» - وهم الملائكة، وعيسى، وعزير، فهم الذين شَهِدُوا بالحق ممن دعوا من دون الله، وشفاعة مَن عداهم مأخوذة من أدلة أخرى.
ثم ذكر إقرار المشركين بالربوبية، فقال:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قالت: (قِيلهِ) : مصدر مضاف لفاعله، يقال: قال قولاً وقالاً وقيلاً ومقالاً. واختلف في نصبه «2» . فقيل: عطف على «سرهم» «3» ، أي: يعلم سرهم ونجواهم وقيلَه، وقيل: عطف على محل «الساعة» ، أي: يعلم الساعة ويعلم قيله،