فقال ابن عرفة: فأنت إذاً أبو عبد الله بن مرزوق؟ فقال: نعم، فرحّب به. وقال: والله ما ظلمناك. هـ.
وقرأ ابن عباس: «يعشَ» - بفتح الشين، أي: يَعْم، من: عشى يعشى (?) . وقُرئ: «يعشو» على أن «من» موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وإلا جزمت كما تقدم. قلتُ: والذي يظهر من كلام التسهيل أن الموصول المضمَن معنى الشرط إنما يجزم الجواب لا الشرط، فتأمله، مع كلام ابن مرزوق. والشاهد الذي أتى به إنما فيه جزم الجواب لا الشرط، فلا يصح ما قاله ابن مرزوق باعتبار جزم لفظ الشرط. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جل جلاله: وَمَنْ يَعْشُ أي: يتعَامَ، أو: يعْم. والفرق بين القراءتين (?) أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل: عشى يعشَى، وإذا ضعف بصره بلا آفة قيل: عشَى يعشو. والمعنى: ومَن يعرض عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ وهو القرآن، لفرط اشتغاله بزهرة الدنيا، وانهماكه في الحظوظ الفانية، فلم يلتفت إليه، ولم يعرف أنه حق- على قراءة الفتح- أو: عرف أنه حق وتعامى عنه، تجاهلاً، على قراءة الضم، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، قال ابن عباس: نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة، لا يفارقه، ولا يزال يوسوسه ويغويه. وفيه إشارة إلى أنَّ مَن دام عليه لم يغوه الشيطان. وإضافته إلى «الرحمن» للإيذان بأن نزوله رحمة للعالمين، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، أي: ما ذكره الرحمن وأوحى به في كتابه. وقال ابن عطية: ما ذكّر الله به عباده من المواعظ. ويحتمل أن يريد مطلق الذكر، أي: ومَن يغفل عن ذكر الله نُسلط عليه شيطاناً، عقوبة على الغفلة، فإذا ذكر الله تباعد عنه.
وَإِنَّهُمْ أي: الشياطين، الذي قيّض كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو، لَيَصُدُّونَهُمْ ليمنعون العاشين عَنِ السَّبِيلِ عن سبيل الهدى الذي جاء به القرآن، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ أي: أنفسهم مهتدون، أو: ويحسب العاشُون أن الشياطين مهتدون، فلذلك قلَّدوهم، فمدار جمع الضمير اعتبار معنى «مَن» كما أن مدار إفراده فيما سبق اعتبار لفظها. وصيغة المضارع في الأفعال الأربعة للدلالة على الاستمرار التجديدي، لقوله: حَتَّى إِذا جاءَنا فإن «حتى» تقتضي أن تكون غاية لأمر ممتد، أي: يستمر العاشون على ما ذكر من مقارنة الشياطين والصد والحسبان الباطل، حتى إذا جاءنا كل واحد منهم مع قرينه يوم القيامة. ومَن قرأ بالتثنية (?) ، فالمراد العاشي وقرينه. قال مخاطباً لقرينه: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ في الدنيا بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ