وعند الصوفية: ثلاث طبقات: العامة ينتصرون، والخاصة لا ينتصرون، لكن يرفعون أمرهم إلى الله في أخذ حقهم من ظالمهم، وخاصة الخاصة يُحسنون لمَن أساء إليهم، كما تقدّم. وقال القشيري: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ وهو الظلم، ينتصرون لعِلمهم أن الظلمَ أصابهم من قِبَلِ أنفسهم، فينتصرون من الظالم، وهو النفس، ويكبحون عنانها من الركض في ميدان المخالفة. ثم قال: قوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ.. الآية، عَلِمَ اللهُ أنَّ من عباده مَن لا يجد الحرية من أحكام النَّفْس، ولا يستمكن من محاسن الخُلق، فرخَّص لهم في المكافأة على سبيل العدل والقسط، وإن كان الأوْلى بهم الصفح والعفو. هـ.
ثم ذكر وبال الظلم وعقوبته، فقال:
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48)
يقول الحق جلّ جلاله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ أي: فما له من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه، ويمنعه من عذابه. وَتَرَى الظَّالِمِينَ يوم القيامة، وهم الذين أضلّهم الله، لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حين يرون العذاب، وأتى بصيغة الماضي للدلالة على تحقيق الوقوع، يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ رجعة إلى الدنيا مِنْ سَبِيلٍ حتى نُؤمن ونعمل صالحاً.