وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي: ما أنتم بفائتين ما قُضيَ عليكم من المصائب، وإن هجرتم في أقطارها كل مهرب، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ متولِّ يحميكم منها وَلا نَصِيرٍ يدفعها عنكم، أو يدفع عذابه إن حلّ.
الإشارة: إذا كان العبد عند الله في عين العناية أدّبه في الدنيا، ويبقى في حال قربه، وإذا كان عنده في عين الإهمال أمهل عقوبته إلى دار البقاء، وربما استدرجه بالنعم في حال إساءته، والعياذ بالله من مكره. وإذا علم العبد أن ما يصيبه في هذه الدار من الأكدار كلها تخليص وتمحيص لم يستوحش منها، بل يفرح بها إذ هي علامة العناية، وإذا كانت على أيدي الناس، لم يقابلهم بالانتصار، بل يعفو ويصفح لعِلمه أن ذلك زيارة وترقية. وقوله تعالى: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. هذا- والله أعلم- في حق العامة، وأما الخاصة فيشدد عليهم المحاسبة والتأديب ليرفع مقامهم، ويكرم مثواهم.
ثم ذكر برهانا آخر على قدرته تعالى، فقال:
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنْ آياتِهِ للدلالة على قدرته ووحدانيته الْجَوارِ «1» السفن الجارية فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ كالجبال إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ «2» التي تجريها. وقرئ بالإفراد. فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ فيبقين ثوابت على ظهر البحر، أي: غير جاريات لا غير متحركات أصلاً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ عظيمة في أنفسها، كثيرة في العدد، دلالة على باهر قدرته لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ لكل مَن حبس نفسه عن الهوى، وصرف همته إلى النظر في آلائه، أو: لكل صبّار على بلائه، شكور لنعمائه، أي: لكل مؤمن كامل فإن الإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبر لأن الإنسان لا يخلو من ضر يمسه، أو نفع يناله، فآداب