رُوي: أن أهل الصُّفة تمنوا الغنى، فنزلت (?) . وقيل: نزلت في العرب، كانوا إذا أخصبوا تحاربوا، وإذا جدبوا انتجعوا. هـ.

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ أي: المطر الذي يُغيثهم من الجدب، ولذا خصّ بالنافع منه، فلا يقال للمطر الكثير:

غيث، مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا: يئسوا منه. وتقييد تنزيله بذلك، مع نزوله بدونه أيضاً لمزيد تذكُّر كمال النعمة.

وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أي: بركات الغيث ومنافعه، وما يحصل به من الخصب في كل مكان، من السهل، والجبل، والنبات، والحيوان. أو: رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر وغيره. وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بالإحسان ونشر الرحمة، الْحَمِيدُ المستحق للحمد على ذلك، لا غيره.

الإشارة: عادته تعالى مع أوليائه أن يعطيهم ما يكفيهم بعد الاضطرار، ويمنعهم منه فوق الكفاية لئلا يشغلهم بذلك عن حضرته، وفي الحديث: «إن الله يحمي عبده المؤمن- أي: مما يضره الدنيا وغيرها- كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة» (?) وفي حديث آخر: «إذا أحبّ الله عبداً حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء» (?) . ورَوى ابن المبارك، عن سعيد بن المسيب قال: جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني يا رسول الله بجلساء الله يوم القيامة؟ فقال: «هم الخائفون، الخاضعون، المتواضعون، الذاكرون كثيراُ» فقال: يا رسول الله فهم أول الناس يدخلون الجنة؟ قال: «لا» قال: فمَن أول الناس دخولاً الجنة؟ قال «الفقراء يسبقون الناس إلى الجنة، فيخرج إليهم ملائكة، فيقولون: ارجعوا إلى الحساب، فيقولون: علام نحاسب؟ والله ما أفيضت علينا الأموال فنفيض فيها، وما كنا أمراء نعدل ونجور، ولكنا جاءنا أمره فعبدنا حتى أتانا اليقين» . هـ.

قوله: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... الآية، كما ينزل غيث المطر على الأرض الميتة، ينزل أمطار الواردات الإلهية على القلوب الميتة، فتحيا بالذكر والمعرفة، بعد أن أيست من الخصوصية.

قال القشيري، بعد كلام: وكذلك العبد إذا ذَبُلَ غُصْنُ وقته، وتكَدَّرَ صَفْو ودّه وكسفت شمس أُنسِه، وبَعُدَ عن الحضرةِ وساحاتِ القرب عَهْدُه، فربما ينظر إليه الحقُّ نظر رحمة، فينزل على سِرِّه أمطارَ الرحمة، ويعود عودُه طريّاً، ويُنْبِتُ في مشاهد أُنْسِه ورداً جَنِياً، وأنشدوا فى المعنى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015