يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على التبليغ أَجْراً. رُوي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون أن محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً؟ فنزلت. أي:

لا أسألكم على التبليغ والبشارة أجراً، أي: نفعاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى إلا أن تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً، أي: لا أسألكم أجراً قط، ولكن أسألُكم أن تودُّوا قرابتي الذي هم قرابتكم، ولا تؤذوهم. ولم يقل: إلا مودّة القربى، أو: المودة للقربى لأنهم جُعلوا مكاناً للمودة، ومقرّاً لها، مبالغة، كقولك: لي في مال فلان مودة، ولي فيهم حبّ شديد، تريد: أحبهم، وهم مكان حبي ومحله. وليست «في» بصلة للمودة كاللام، إذا قلت:

إلا المودة للقربى، وإنما هي متعلقة بمحذوف، تعلُّق الظرف. به والتقدير: إلا المودة ثابتة في القربى، ومتمكنة فيها. والقربى: مصدر، كالزلفى والبشرى، بمعنى القرابة. والمراد: في أهل القربى.

رُوِي أنه لما نزلت قيل: يا رسول الله! مَن أهل قرابتك هؤلاء، الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما» (?) . وقيل: معناه: إلا أن تودّوني لقرابتي فيكم، ولا تؤذوني، إذ لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة. وقيل: القربى: التقرُّب إلى الله تعالى، أي: إلا أن تحبُّوا الله ورسوله في تقرُّبكم إليه بالطاعة والعمل الصالح.

وَمَنْ يَقْتَرِفْ أي: يكتسب حَسَنَةً أيّ حسنة كانت، فيتناول مودة ذي القربى تناولاً أولياً. وعن السدي: أنها المرادة، قيل: نزلت فى الصدّيق رضي الله عنه ومودته فيهم، والظاهر: العموم، نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي:

نضاعفها له في الجنة. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمَن أذنب [بِطَوْلِه] (?) شَكُورٌ لمَن أطاع بفضله، بتوفية الثواب والزيادة، أو: غفور: قابل التوبة، شكور: حامل عليها.

الإشارة: محبة أهل البيت واجبة على البشر، حرمةً وتعظيماً لسيد البشر، وقد قال: «مَن أَحبهم فبحبي أُحبهم، ومَن أبغضهم فببغضي أبغضهم» (?) فمحبة الرسول صلّى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان، وعقد من عقوده، لا يتم الإيمان إلا بها، وكذلك محبة أهل بيته. وفى الحديث صلّى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يحبني، ولا يحبني حتى يحب ذوي قرابتي، أنا حرْب لمَن حاربهم، وسلْم لمَن سالمهم، وعدوٌّ لمَن عاداهم، ألا مَن آذى قرابتي فقد آذاني، ومَن آذاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015