اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ المرجع، فيظهر هناك حالنا وحالكم. وهذه محاججة، لا متاركة، فلا نسخ فيها.

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ يُخاصمون في دينه مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ من بعد ما استجاب له الناس، ودخلوا فيه، ليردّوهم إلى دين الجاهلية، كقوله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ... (?) ، والتعبير عن ذلك بالاستجابة باعتبار دعوتهم إليه، أو: من بعد ما استجاب الله لرسوله صلّى الله عليه وسلم وأيّده بنصره، كيوم بدر، أو: من بعد ما استجاب له أهل الكتاب، بأن أقروا بنعوته صلّى الله عليه وسلم، واستفتحوا به قبل مبعثه. وذلك أن اليهود والنصارى كانوا يقولون للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن خيرٌ منكم، فنزلت:

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ ... الآية. (?) حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ باطلة، عِنْدَ رَبِّهِمْ، وإذا كانت داحضة من حيث كونه ربّاً رءوفا فأحرى من حيث كونه قاهراً منتقماً. وسمّاها حُجة، وإن كانت شُبهة لزعمهم أنها حُجة.

وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ عظيم، لمكابرتهم الحق بعد ظهوره وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ لا يُقادر قدره.

الإشارة: إذا استولت الغفلة على الناس، وتفرّقت القلوب، يجب على أهل البصيرة النافذة أن يتحركوا لوعظ الناس وتذكيرهم، ولا يلتفتون إلى أهوائهم، وما هو مشغوفون به من حظوظهم. قال تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ، وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فتدعون الناس إلى التوحيد، وإقامة الشرائع، بامتثال الأوامر، واجتناب المناكر، ثم يدسونهم إلى حضرة الحق، إن رأوا منهم مَن هو أهله، فمَن فعل هذا كان قدره عند الله عظيماً، وجاهه كبيراً. وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسُ محمد بيده إن شئتُم لأُقسِمَنَّ لكم: إنَّ أحبَّ عبادِ اللهِ إلى الله الذين يُحَبَّبُون اللهُ إلى عباده، ويحببون عباد اللهِ إلى اللهِ، ويمشُون في الأرض بالنصيحة» .

ومن وظيفته أن يقول: آمنتُ بما أنزل الله من كتاب، وما بعث من نبي ووليّ، وأمُرتُ لأعدل بينكم في الوعظ، والنصيحة، وإمداد المدد، لكن يأخذ كل واحد على قدر صدقه وتعظيمه، ثم يقول: (الله ربنا وربكم) ، يخص برحمته مَن يشاء، لنا أعمالنا: ما يليق بنا من عبادة القلوب، ولكم أعمالكم: ما تطيقونه من عبادة الجوارح، لا خصومة بيننا وبينكم لأن قلوبنا سالمة لكم. الله يجمعُ بيننا وبينكم في الدنيا بجمع متصل، وإليه مصير الكل بالموت والفناء. والذين يُحاجون في الله، أي: يخاصمون في طريق الله، ويقولون: انقطعت التربية، حُجتهم داحضة، وعليهم غضب البُعد، ولهم عذاب الكدّ والتعب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015