يقول الحق جلّ جلاله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ شركاء، يُوالونهم بالعبادة والمحبة اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ: رقيب على أحوالهم وأعمالهم، فيجازيهم بها، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ بموكّل عليهم، تجبرهم على الإيمان، ثم نسخ بالجهاد. أو: ما أنت بموكول إليك أمرهم، وإنما وظيفتك الإنذار بما أوحينا إليك.
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا أي: ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح أوحينا إليك قرآناً عربيّاً، لا لبس فيه عليك ولا على قومك، لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى أي: أهلها، وهي مكة لأن الأرض دُحِيت من تحتها، أو: لأنها أشرف البقع، وَتنذر مَنْ حَوْلَها من العرب أو من سائر البلاد. قال القشيري: وجميعُ العالَم مُحْدِقٌ بالكعبة لأنها سُرَّةُ الأرضِ. هـ.
وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ يوم القيامة لأنه تجمع فيه الخلائق، وفيه تجمع الأرواح والأشباح. وحذف المفعول الثاني من «تُنذر» الأول للتهويل، أي: لتنذر الناس أمراً فظيعاً تضيق عنه العبارة، لا رَيْبَ فِيهِ لا شك في وقوع ذلك اليوم، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي: بعد جمعهم في الموقف يفترقون، فريق يُصرف إلى الجنة، وفريق إلى السعير بعد الحساب، والتقدير: فريق منهم في الجنة. والجملة: حال، أي: وتنذر يوم الجمع متفرقين.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ في الدنيا أُمَّةً واحِدَةً إما مهتدين كلّهم، أو ضالين، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أي: ويُدخل مَن يشاء في عذابه، يدلّ عليه ما بعده، ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب:
اختلاف الداخلين فيهما، فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة، بل جعلهم فريقين، فيسَّر كلاًّ لمَن خُلق له. وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ والكافرون ما لهم من شافع ولا دافع.
قال أبو السعود: والذي يقتضيه سياق النظم أن يُراد بقوله: أُمَّةً واحِدَةً الاتحاد في الكفر، كما في قوله تعالى:
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ... الآية (?) ، على أحد الوجهين، بأن يُراد بهم الذين هم في فترة إدريس، أو فترة نوح. ولو شاء لجعلهم أمة واحدة متفقة على الكفر، بأن لا يُرسل إليهم رسولاً ليُنذرهم ما ذكر من يوم الجمع، وما فيه من ألوان الأهوال، فيبقوا على ما هم عليه من الكفر، ولكن يُدخل من يشاء في رحمته إن شاء ذلك، فيُرسل إلى الكل مَن ينذرهم، فيتأثر بعضهم بالإنذار فيعرفون الحق فيوفقهم الله تعالى للإيمان والطاعة،