وطاعته، أو: ذهب بنفسه وتكبّر وتعاظم، والتحقيق: أن المراد بالجانب النفس، فكأنه قال: وتباعد بنفسه عن شكر ربه، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ الفقر والضر، فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ أي: تضرُّع كثير، أي: أقبل على دوام الدعاء والابتهال. ولا منافاة بين قوله: فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ وبين قوله: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ لأن الأول في قوم، والثاني في قوم، أو: قَنوط في البَر، وذو دعاء عريض في البحر، أو: قَنُوط بالقلب، وذو دعاء باللسان، أو: قَنُوط من الصنم، وذو دعاء لله تعالى.
الإشارة: اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه، راضياً بقلبه، إن أجابه شكر، وإن منعه انتظر وصبر، ولا ييأس ولا يقنط، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه، دون شيء من الوسائط العادية، هذا ما يُفهم من الآية، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود «1» . والله التوفيق.
ثم وبّخ من أعرض عن النظر، فقال:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ جحدتم أنه من عند الله، مع تعاضد موجبات الإيمان به، مَنْ أَضَلُّ منكم؟ فوضع قوله: مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ موضعه، شرحاً لحالهم، وتعليلاً لمزيد ضلالهم.
سَنُرِيهِمْ آياتِنا الدالة على حقيَّتِه وكونه من عند الله، فِي الْآفاقِ من فتح البلاد، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث الآتية، وآثار النوازل الماضية، وما يسَّر الله تعالى له ولخلفائه من الفتوحات، والظهور على آفاق الدنيا، والاستيلاء على بلاد المشارق والمغارب، على وجه خَرْق العادة، وَنريهم فِي أَنْفُسِهِمْ ما ظهر من فتح مكة وما حلّ بهم.