مزيّناً بالمصابيح، وبساطه الأرض، مشتملة على ما يحتاج إليه أهل البيت. وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ، هذا بيان لفضله المتعلق بالأجسام، أي: صوّركم أحسن تصوير، حيث جعلكم مُنتصِبَ القامة، باديَ البشرة، متناسب الأعضاء والتخطيطات، متهيئاً لمناولة الصنائع واكتساب الكمالات. قيل: لمْ يخلق الله حيواناً أحسن صورة من الإنسان. وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي: اللذائذ، ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أي: ذلكم المنعوت بتلك النعوت الجليلة.
هو المستحق للربوبية، فَتَبارَكَ اللَّهُ أي: تعالى بذاته وصفاته رَبُّ الْعالَمِينَ أي: مالكهم ومربيهم، والكل تحت قدرته مفتقر إليه في إيجاده وإمداده إذ لو انقطع إمداده لا نهدّ الوجود.
هُوَ الْحَيُّ المنفرد بالحياة الذاتية الحقيقية، لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ إذْ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته وأفعاله، فَادْعُوهُ فاعبدوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي: الطاعة من الشرك والرياء، وقولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. عن ابن عباس رضي الله عنه: مَن قال «لا إله إلا الله» ، فليقل على إثرها: الحمد لله رب العالمين (?) .
الإشارة: الله هو الذي جعل ليل القبض لتسْكنوا فيه عند الله، ونهار البسط لتُبصروا نعم الله، فتشكروا لتبتغوا زيادة فضله، وجعل أرض النفوس قراراً لقيام وظائف العبودية، وسماء الأرواح مرقى لشهود عظمة الربوبية. قال القشيري: سكونُ الناس بالليل- أي: الحسي- على أقسام: فأهل الغفلة يسكنون مع غفلتهم، وأهل المحبة يسكنون بحكم وصلتهم، فشتّان بين سكون غفلةٍ، وسكونِ وصلة، وقومٌ يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم، وقومٌ إلى حلاوة أعمالهم، [وبسطهم، واستقبالهم] (?) ، وقومٌ يعدِمون القرار في ليلهم ونهارهم- أي: لا يسكنون إلى شيء- أولئك أصحابُ الاشتياق، أبداً في الإحراق هـ.
وقوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ أي: صَوَّر أشباحكم، فأحسن صورتها، حيث بهَّجها بأنوار معرفته. قال الورتجبي:
فأحْسن صُوَرَكم بأن ألبستكم أنوار جلالي وجمالي، واتخاذِكم بنفسي، ونفخت من روحي فيكم، الذي أحسن الهياكل مِن حسنه، ومِن عكْس جماله، فإنه مرآة نوري الجلي للأشباح. هـ. قال القشيري: خَلَقَ العرشَ والكرسي والسمواتِ والأرض، وجميع المخلوقات، ولم يقل في شيء منها: فأحسن صورها، بل قاله لمّا خلق هذا الإنسان، وليس الحَسَنَ ما يستحسنه الناسُ، ولكن الحسنُ ما يستحسنه الحبيبُ، وأنشدوا:
مَا حَطَّكَ الْوَاشُونَ عَن رُتبةٍ ... عنْدِي، ولاَ ضَرَّكَ مُغْتَابُ
كأَنَّهم أَثْنَوْا ولَمْ يَعْلَمُوا ... عَلَيْكَ عندى بالّذى عابوا (?)